انتخابات البنك الأفريقي للتنمية .. قراءات في مواقع القوة ورهانات المستقبل

اثنين, 04/07/2025 - 21:37

كتب أحد المعلقين بعد قرار فخامة رئيس الجمهورية تشكيل إدارة لحملة مرشح الجمهورية الإسلامية الموريتانية، سيدي ولد التاه، لرئاسة البنك الإفريقي للتنمية، متسائلا هل نحن أمام حملة لاختيار الأمين العام للأمم المتحدة، واثار فضولي مستوى الجهل المركب أحيانا، والتغافل المقصود أحايين أخرى عن أهمية مواقع تمثيل مراكز قوة الدول، ونقاط تحكمها ونفوذها في صناعة القرار الإقليمي والعالمي. ومن هذه المواقع مراكز القوة الاقتصادية، وقد فات صاحبنا المعلق أن منصب الأمين العام للأمم المتحدة، منصب سياسي تنسيقي بامتياز لا يملك صاحبه أكثر من توزيع القلق والإعراب عن الأسف، فيما يتحكم رؤساء البنوك العالمية والمنظمات الدولية بمصائر الأمم والشعوب، ويمكنها بجرة قلم إنقاذ حكومة ومنحها وسائل التقدم والرفاه لها ولشعوبها، وبجرة قلم آخر إسقاطها وتمريغ أنفها في التراب.
أقول هذا ونحن اليوم أمام استحقاق تاريخي سيؤكد للمرة الأولى قوة ونفوذ دبلوماسيتنا الناعمة، ويجسد للمرة الأولى نجاح سياستنا الدولية وعمق علاقاتنا الخارجية بفضل الحكمة التي أدار بها فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني فترة رئاسته للاتحاد الافريقي، والفكرة التي استحضرها فخامته وفريق عمله بقيادة وزير الاقتصاد والمالية الاقتصادي المتمرس الدكتور سيد احمد ولد ابوه، لاستثمار هذا النجاح لصناعة مراكز القوة، وتعزيز تواجد الكفاءات والخبرات الموريتانية على رأس المنظمات الإقليمية والدولية، وتأكيدا لدور موريتانيا في المؤسسات المالية الإفريقية، وتعزيزا لحضورها في الساحة الاقتصادية العالمية.
البنك الافريقي للتنمية ليس مؤسسة مالية عادية، فهو المؤسسة المالية الأولى في افريقيا،  تماما كالبنك الاوروبي للاستثمار، ومجموعة البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وهي المجموعات التي تدير العالم فعليا وعمليا، أكثر مما تديرها الحكومات سياسيا، وهو الجهة المسؤولة عن التنمية الاقتصادية في هذه القارة، وهو صاحب الدور الحاسم في توفير التمويل والخبرة لدعم النمو الاقتصادي المستدام، والحد من الفقر، وتحسين الظروف المعيشية للأفارقة، وتكفي إطلالة سريعة على موقع البنك ليصيبك الذهول من حجم تدخلات البنك وسلطته المالية على مختلف حكومات القارة، من زامبيا إلى بنين مرورا برواندا الرائدة اقتصاديا، وبوروندي، وجنوب افريقيا الصناعية، وأنغولا النفطية، وقس على ذلك دول شرق وشمال وجنوب افريقيا كلها، علاوة على المنح والقروض وآليات الدعم لمختلف الأنشطة والمبادرات الاقتصادية سواء تعلقت بالصناعة، أو الزراعة،  أو البيئة، أو قطاعات الرقمنة، وغير ذلك من أنشطة التدخل المباشر وغير المباشر في مجالات التنمية المختلفة والمتنوعة .
 
 
في اجتماعها الرسمي يومي 11 و12 فبراير 2025 في مقر مجموعة البنك بالعاصمة العاجية، أبيدجان ، وبعد فحص الترشيحات،  قررت اللجنة التوجيهية لمجلس المحافظين لانتخاب رئيس البنك الأفريقي للتنمية، اعتماد القائمة النهائية للمترشحين لمنصب رئيس البنك الأفريقي للتنمية خلال الانتخابات المقبلة المقرر عقدها بتاريخ 29 مايو 2025، وهم  حسب الترتيب الأبجدي للقب في اللغة اللاتينية، السيد/ أمادو هوت، مرشح جمهورية السنغال، والدكتور/ صمويل مونزيل مايمبو، مرشح جمهورية زامبيا، والدكتور/سيدي ولد التاه، مرشح الجمهورية الاسلامية الموريتانية، والسيد/ عباس محمد تولي، مرشح جمهورية تشاد، والسيدة/ باجابولي سوازي تشابالالا، مرشحة جمهورية جنوب أفريقيا . ولذلك فنحن اليوم أمام انتخابات مفصلية، وتنافس ربما يكون الأقوى من نوعه على رئاسة المؤسسة المالية الأكبر والأهم في افريقيا.
وإن كان معلوما للمتابعين والمهتمين من ذوي الاختصاص أن انتخاب الرئيس يتم من قبل مجلس محافظي البنك الأفريقي للتنمية الذي يتكون من ممثلي الدول الأعضاء البالغ عددها 81 دولة، والذين عادة ما يكونون وزراء المالية أو التخطيط أو محافظي البنوك المركزية أو من ينوبون عنهم حسب الأصول، إلا أن القوى المؤثرة في هذه العملية تبدأ من هرم السلطة على مستوى كل دولة، مرورا بالمؤثرين من الدول الكبرى الداعمة والشريكة للبنك، وانتهاء بجماعات الضغط والتأثير الاقتصادي في القارة.
ومن هنا نفهم جميعا أهمية القرار الذي تم اتخاذه على مستوى الجمهورية، والذي يؤكد ببساطة أن فخامة الرئيس قرر إلقاء ثقل الدولة وراء مرشحها، علنا وليس كما هو معتاد حسب الرسائل الرسمية المكتوبة والشفوية، أو باستثمار العلاقات الشخصية للمرشح نفسه لحسم النتائج.
وبنظرة سريعة على نتائج الجولة الأولى من هذه الحملة والتي بدأت فور إعلان قائمة المرشحين، نجد ميزان القوة مائلا لمرشحنا، لكن علينا ألا نغتر بذلك ولا نعتمد عليه، فالمعركة أكبر وأقوى، وما يخفي منها أعظم مما هو في العلن، وحتى الآن قررت كل من الجزائر وساحل العاج وتونس والكونغو برازفيل وإيطاليا دعم مرشحنا، فيما حصل مرشح السنغال على دعم كل من المغرب والغابون.  
وعلى هذا النهج، يمكننا قياس التحالفات القادمة والمواقف المنتظرة وفقا للعلاقات التقليدية بين أغلب الدول الافريقية، ومواقفها السابقة من مختلف أزمات القارة ولاسيما المستحكمة منها، ومع ذلك يمكننا تسجيل الملاحظات التالية:
أولا: من المستبعد حسم المعركة الانتخابية في الجولة الأولى، فلكل من المرشحين الخمسة، عوامل قوة واستدراكات ضعف تتباين حسب كل منهم، وحسب الحسابات التي تستهدفها كل دولة من هذه الدول.
ثانيا: سيصوت المرشح السنغالي لصالحنا، وهو مرشح مهزوز حاليا، وسيتبعه المغرب في ذلك، فلا المغرب ولا السينغال يرغبان في خسارة ود موريتانيا ودعمها في المنظمات والمحافل الدولية، وتحالفهما في هذه المرحلة متوقع ومفهوم في سياقاته التاريخية، واستحقاقاته الجغرافية.
ثالثا : الموقف المصري مهم في هذه الانتخابات، وقد وقفت على حوار صحفي يحمل شحنة دعائية كبيرة للمرشح الزامبي الذي وصل إلى القاهرة إلى جانب الرئيس الزامبي  هاكيندى هيشيليما يوم 16 مارس 2025 ، ونشرت صحيفة أخبار اليوم المقربة من الرئاسة المصرية الحوار ببنط عريض تحت عنوان "مرشح رئاسة البنك الإفريقي للتنمية: إفريقيا تحتاج إلى تكامل اقتصادي حقيقى لا وعود فارغة"، أسهبت خلاله في ذكر أولويات مايمبو فى حال فوزه برئاسة البنك، واستراتيجيته لمواجهة التحديات الاقتصادية، خاصة فيما يتعلق بجذب الاستثمارات، ودعم الحكومات الإفريقية، وتعزيز التكامل التجاري بين دول القارة. وهذا الحوار الذي نشر بالتزامن مع زيارة دولة رسمية ليس من فراغ، وعلى حملة مرشحنا أن تأخذ الموقف المصري بمحمل الجد، ليس على مستوى موقف مصر فحسب، بل بالنظر إلى تأثير القاهرة الإقليمي وعلاقاتها القوية بمعظم العواصم الافريقية.
رهانات المستقبل
لكل مرشح من المرشحين الخمسة نقاط قوة تعزز دوافع الترشح، تقابلها نقاط ضعف تعزز توقعات مرشحنا للفوز إذا أحسنا القراءة والتوقع، وعززنا حملة الدعم بوسائل القوة الناعمة، ومن هذا المنطلق تتأكد أهمية تشكيل فريق الحملة الذي أعلنت عنه رئاسة الجمهورية.
وبقراءة موضوعية لخارطة التنافس يمكن التنبؤ بحصول شوط ثان بين مرشحين اثنين من المتنافسن الخمسة، أتوقع أن يكونا بين مرشحنا الدكتور/ سيدي ولد التاه، الذي نرجو له الفوز من الجولة الأولى، والمرشح الزامبي الأكثر قوة بين المرشحين المنافسين حتى الآن، ذلك أنه مدعوم من مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية التي تضم 16 دولة، لكن هذه المجموعة ليست موحدة في المواقف، فمن بينها دولة جنوب افريقيا التي تخوض الحملة لمرشح منافس. أما مرشح السيغال فلا يبدو في موقع قوة كما اشرت إلى ذلك سابقا وقد بدأت صحافة الحكومة السنغالية حملة مضادة له لصالح مرشحنا من اليوم الأول، وذلك مفهوم في سياق آخر نظرا لأن هذا المرشح محسوب على حكومة ماكي صال السابقة وليس مرشح الرئيس باسيرو ديوماي فاي، وكذلك باقي المرشحين رغم امتلاكهم لسير ذاتية مبهرة لكنها تتفاوت وتتضاءل تدريجيا أمام السيرة الذاتية لمرشحنا، وموقعه المالي الحالي، وكفاءته التسييرية التي سينظر إليها بعين الاعتبار في ختام المعركة.  
وحدها مرشحة جنوب إفريقيا، تمتلك ميزة مهمة في مثل هذه المواقع تماما كما يمتلكها مرشحنا لرئاسة البنك، وهي ميزة العمل داخل المجموعة المالية نفسها، وبهذه الميزة تغلبت مرشحة الجزائر سلمى مليكة حدادي بمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي مؤخرا على منافستها المغربية، بحكم عملها في هياكل المفوضية، إلا أن مرشحنا يتقدم بهذه الميزة كذلك لكونه يرأس حاليا المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا، مما يجعله يمسك بيده أكثر من خيط لنسج علاقات تصويتية مهمة لصالحه.
وختاما هذه قراءة تتضمن توصيات وتوجيه، ونتمنى التوفيق لمرشح الجمهورية الإسلامية، ولاتزال هناك سانحة وقت كافية لقراءة المواقف وزحزحة المواقع ومنح مرشحنا مزيدا من نقاط القوة، والأيام القادمة ستكشف المزيد من مؤشرات نتائج يوم التصويت المقرر 29 مايو.
سيدي محمد ولد البكاي
خبير إعلامي
[email protected]