رسالة المفكر علي الشرفاء في «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»

ثلاثاء, 04/08/2025 - 08:31

 

الخطاب الإلهي والخطاب الديني مرادفات متقاربة في البنيان اللفظي، ولكنها متباعدة كل البعد في معانيها ومبانيها ومقاصدها الشرعية. والكثير من عامة المسلمين لا يعرف الفرق بين الخطاب الإلهي، والخطاب الديني، رغم أن الفرق بين المرادفين شديد البون والاختلاف.

الخطاب الإلهي والخطاب الديني

وفي كتاب «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي» يفرق المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، في صفحات كتابه بين نوعين من الخطاب: الخطاب الديني، ويقصد به كل النصوص التي أضيفت للسردية المقدسة الأصلية، ويعني بها القرآن الكريم، أو بعبارة أكثر بساطة يقصد من الخطاب الديني: التراث الديني المتراكم بعد وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حتى الآن، مشيراً إلى أن هذا التراث في حقيقة الأمر هو تراث إنساني تمت أسطرته، أو تحويله إلى أسطورة، ومن ثمَّ إلى مقدس. أما ما يقصده الباحث بالخطاب الإلهي، فهو النص المؤسس للدين الإسلامي وهو القرآن الكريم.

ويبذل الباحث في هذه الدراسة جهدًا كبيرًا من أجل الدفاع عن هذا النص المؤسس وتبرئته من كل ما نُسب إليه من اتهامات باطلة مثل: معاداة العلم، التعصب، العنف، الجمود، كراهية الآخر، النزعة القتالية، اضطهاد المرأة… إلخ.

القرآن الكريم رسالة لتحرير الإنسان

وفي سبيل الوصول إلى هذا الهدف يقدم الباحث قراءة منفتحة ومتحررة من الأطر التقليدية ذات النزعة الأحادية، مؤكداً أن القرآن الكريم لم يكن أبدًا لاهوتيًا، ولم يؤسس لأي نزعة لاهوتية، وإنما هو رسالة هدفها تحرير الإنسان من الظلم والجهل والعبودية والأنانية، رسالة تؤكد وتؤسس لمعاني سامية ونبيلة مثل: الحب والتسامح والعدل والعقلانية وقبول الآخر ونشر السلام والسعي للمعرفة والعلم والإبداع والنزعة الإنسانية أو احترام الإنسان لذاته بوصفه خليفة الله في الأرض.

ويرى الكاتب أن الرجوع إلى النص القرآني بوصفه المرجعية الأساسية والوحيدة للمسلمين هو الحل للخروج من مأزق المرجعيات والتفسيرات التي وضعها علماء الحديث والفقهاء، والتي كانت سببًا في طمس الوجه المشرق للإسلام وتشويه صورته السمحاء، معتبراً أن المسلمين اليوم ليس أمامهم سوى طريقين لا ثالث لهما: إما أن نؤمن بالله الواحد الأحد وبكتابه القرآن الكريم هاديًا ومرشدًا لنا… وإما أن نتبع الروايات التي روج لها ممن يسمون أنفسهم بعلماء الدين، وعلماء الحديث، وشيوخ الإسلام وأقحموها في قناعات المسلمين وفي معتقداتهم، فكانت سببًا في تفرقهم وتشرذمهم فرقًا وشيعًا وأحزابًا يكفر بعضهم بعضًا ويقتل بعضهم البعض الآخر.

الخطاب الإلهي المقدس الأوحد

وينتهي المفكر الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي في كتابه إلى نتيجة مهمة، وهي أن الخطاب الإلهي هو المقدس الأوحد، هو خطاب للأحياء وليس للأموات أو للماضي، وهذا معناه أنه خطاب متجدد ومتفاعل مع واقع الحياة الإنسانية المتغيرة المتجددة.

يشير الكتاب من منطلق قومي إلى الواقع العربي الأليم وخطورة الصراعات الدموية التي تهدد كيان المنطقة بسبب الخطأ في فهم الخطاب الإلهي الموجه للبشر بصفة عامة وللمسلمين عبر القرآن بصفة خاصة، وجاءت صرخة المؤلف لتحذر الجميع من سفك شلالات الدماء باسم الدين، وخاصة أن الصراعات المسلحة في العالم العربي باتت تهدد سلامة ووحدة بعض الأقطار العربية، علاوة على الصراع السني الشيعي بوصفه قضية تؤرق الجميع وتلقي بظلالها على الواقع الرهن مما يهدد وحدة ومستقبل العالم الإسلامي بأثره.

الخروج على تعاليم القرآن

ودعا المفكر علي الشرفاء إلى ضرورة رأب الصدع الناجم عن الخروج على تعاليم القرآن وصحيح السنة النبوية المطهرة التي تتطابق مع النص القرآني، وذلك عبر طرح بعض المفاهيم المهمة حتى يتجه الدعاة نحو بث خطاب ديني يتفق مع المنهج الإلهي الذي يحثنا على الوحدة والتعايش السلمي، والأخوة في الله.

الخطاب الدعوي

وقد صنف المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي، الخطاب الدعوي إلى قسمين؛ الأول أسماه الخطاب الديني ويُقصد به كل النصوص التي أضيفت للسرديات المقدسة الأصلية أو التراث الديني المتراكم منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى اليوم، وخاصة أن هذه الإضافات من المحتمل أن يحتوي بعضها على خلفيات خاطئة، أو الدس عبر مغرضين، ومن ثم ظهرت فتاوى التعصب والعنف بعيدًا عن فقه الواقع، وبالتالي يحتاج الأمر إلى فتح حوار متخصص للوصول إلى جادة الصواب؛ شريطة إبعاد كل المغرضين أو عداء الدين عن هذا الحوار، لضمان نتائج محايدة.

أما الخطاب الآخر وهو الخطاب الإلهي، فيُقصد به ما ورد في القرآن الذي لا يأتيه الباطل من خلفه أو من بين يديه، ومن ثم تتطلب الضرورة اعتماد الخطاب الإلهي لأنه الفيصل في تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة التي تهدد المسلمين بالفناء نتيجة الفرقة والتناحر بين بعضهم البعض.

تفرق المسلمين إلى فرق وأشياع وأحزاب

تكمن الخطورة في قيام البعض بالتأثير على قناعات بعض المسلمين مما تسبب في تمزيقهم إلى فرق، وأشياع، وأحزاب بعضهم يكفر بعض، أو يسفك دم البعض، حيث يحذر المؤلف من خطورة دس بعض الإسرائيليات، أو بعض الأحاديث الموضوعة، وهذا يتطلب مراجعة دقيقة للتراث الإسلامي الموضوع من قبل البشر، حيث يقول المؤلف: «لقد استطاع بعض من تصدى للدعوة الإسلامية ومعهم من يسمون رواة الحديث إغراق العقول بروايات تستنزف طاقة المسلمين في صراع سياسي ومذهبي خلق حواجز نفسية داخل المجتمع الواحد، وأدى إلى انشطار خطاب الكراهية؛ مما يهدد السلم الاجتماعي». ويتجلى الواقع العملي في الانقسام داخل المعسكر السني نفسه إلى فرق كثيرة.

الصراع بين المذاهب

ويستطرد المؤلف في موضع آخر: «لقد ظهر اسم السنة في منتصف العصر العباسي، حيث نشأت المذاهب السنية المتعددة منها الأشاعرة، الحنفية، والمالكية، والحنابلة، والشافعية، وغيرها، وتقرر تثبيت المذاهب الأربعة في عصر الظاهر بيبرس أثناء حكمه لمصر للتعبد بها رسميا، واتباعها كأساس للنظام الاجتماعي في العبادات، والمعاملات، والتقاضي، وتعددت المدارس المنبثقة عن هذه المذاهب، بيد أن المشكلة تكمن في أن بعض المدارس اتخذت التكفير عقيدة، والقتل قضاءً، والحقد شعارًا، وخطاب الكراهية سلوكًا».

وقد جاء من الفرس من نشر على لسان بعض الصحابة ما يفرق المسلمين، ولذا ترتب على الإسرائيليات وغيرها مشاكل طائفية، ولذا برزت طوائف متعددة في كافة الفرق الإسلامية، وقد اعتمد علماء المجوس على الظلم الذي لحق بالحسين في كربلاء لبناء طائفة جديدة، وظهر الشيعة كتيار على الطرف المقابل للسنة.

أدى الخلاف السياسي منذ استشهاد الحسين نوعًا من العداء بين طرفي الأمة الإسلامية، لدرجة أن من الطائفتين بعد ذلك من اعتمدوا في عقائدهم على روايات ضالة، وآمنوا بمرجعيات متناقضة، وتبنوا أراءهم دون تمحيص وتدقيق، فانفجر  الصراع السني الشيعي، ونجم عن هذا الصراع  خسائر هائلة عبر التاريخ الإسلامي وحتى اليوم.

تشويه صورة الإسلام

يحمل كتاب «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي» صرخة المؤلف وهي تحذر الجميع من خطورة هذا الانقسام على الدين الإسلامي ككل، فقد تسببت الحركات المتطرفة في تشويه صورة الإسلام في الخارج وهذا يقودنا إلى القول بأن مناهج التطرف منحت اليمين المتعصب في الغرب الفرصة لإقناع شرائح كثيرة بالإنضمام إليه في مواجهة المسلمين في صراع قائم على الهوية، وسواء كان ذلك بدون قصد، أو بجهل فإن النتائج واحدة، وهي حجب الوجه الحضاري للدين الإسلامي وتصدير مفاهيم عكسية عن صورة الفرد المسلم، فكما قام بعض الخبثاء في الماضي بدس الكثير من النصوص المغلوطة، يسهم المتطرفون اليوم في نشر نفس الأفكار التي ولدت من رحم المكيدة بالأمس البعيد.

أركان الإسلام في الخطاب الديني

ربما كان الخطاب الديني مقصورًا على أركان الإسلام الخمسة، والمتمثلة في النطق بالشهادتين، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وعندما نسي معظم الدعاة شق المعاملات في التجارة، والصناعة، والزراعة، والعلم وغيرها؛ تخلفت الأمة الإسلامية، ومن ثِّم أصاب الوهن بلادنا.

لقد أهمل الدعاة البرامج الاجتماعية والتربوية، وكل ما يتعلق ببناء وصناعة الإنسان؛ فبرز في أحايين كثيرة الفرد المسلم الذي يعاني من انفصام في الشخصية، وتصدعت قيم العدل، والرحمة، والتعاون، وأهملت معظم الفرق المتناحرة تعليمات القرآن التي تحث على التفكير والتعلم، والبناء والتنمية، لصالح خطاب الطائفية والصراع.

وعلى مستوى الأسرة رغم أن الإسلام كرَّم الزوجة لأنها عماد المجتمع، وأقر حقوقها المادية والمعنوية، والاجتماعية، ولكن الواقع يشير إلى نتائج عكسية؛ حيث تم الجور على حقها في الميراث، واختيار الزوج، وغيرها، وكل ذلك يتعارض مع النص القرآني، والسنة النبوية الصحيحة المطهرة، وفي مجال الطفولة يدلنا الواقع المؤلم على أن انتهاك حق اليتيم  أصبح سلوكًا منتشرا.

وعلى المستوى الاجتماعي غاب مفهوم الإحسان عن سلوكيات المسلم كمفهوم يتسع  ليشمل صلة الرحم، وحقوق الجار، والأمانة، وانتشرت التصرفات السلبية كالظلم، والكذب، وشهادة الزور، والتجسس، والغيبة والنميمة، وغيرها، ومن اللافت للنظر أن النص القرآني قد نهى عن كل الصفات الذميمة، وحثنا على كل الصفات الحميدة، ولذلك أرجع الكاتب مشاكل العالم الإسلامي إلى هجر المسلمين للقرآن سلوكًا وعملاً،  فقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قرآنا يمشي على الأرض.

رسالة المؤلف في كتاب «المسلمون بين الخطاب الديني والخطاب الإلهي»

وخلاصة القول إنه يمكن تبسيط رسالة المؤلف في أن سيادة الخطاب الإلهي، وتنقية الثرات من الشوائب التي وضعها البشر، وإعلاء الوعي لدى المسلمين من متطلبات التدين الصحيح، ومن عوامل النهضة الشاملة، وبوابة القضاء على التطرف الذي يهدد وجود العرب والمسلمين على خريطة العالم