
ين يصمت العقل يعلو ضجيج الوهم .. وحين يُستبدل الوحي بالتراث تُطفأ أنوار الهداية .. يبدو أنه زمن اختلط فيه صوت الدين بشوائب البشر .. ثم .. ثم تعالت فيه أصوات شعارات دينية جوفاء .. فتكاثف ضباب التقليد فوق سماء العقول حتى كاد يحجب ضوء الوحي الرباني .
القرآن والعودة إلي أصل الدين
آما آن لـ أمة ضلت طريقها أن تعود إلى أصل الدين .. الي صوته النادر الذي يشق هذا السكون الثقيل .. إلي الصوت الذي يوقظ الوعي من سباته العميق .. إلي صوت القرآن حيث يبدأ النور وتُبعث النهضة من جديد .. انه الصوت الذي ينادي الإنسان كي يخلع رداء التلقين ويقف أمام النص الإلهي بعين المفكر المتدبر لا بظلّ المقلد المتجلد .. فالقرآن الكريم هو النداء السماوي الذي أراد للعقل أن يتحرر لا أن يتقيد .. أن يُنير لا أن يُعتم .. أراد القرآن أن يقود الإنسان نحو الحق لا أن يضلله باسم الأسلاف والموروثات
مشروعًا فكرياً فريداً
.. و .. و في هذا السياق تنطلق الموسوعة الفكرية " ومضات على الطريق " لـ مؤلفها ومبدعها المفكر العربي القدير علي الشرفاء الحمادي .. ليقدم للأمة مشروعًا فكرياً فريداً يعيدها إلى كلام الله الذي لا يأتيه الباطل .. إلى روح رسالة الإسلام التي تصنع النهضة وتحيي العقول الغافية .. " ومضات علي الطريق " تؤكد علي أن الإسلام لم يأت ليصوغ عبودية جديدة بل جاء ليهدم أصنام الفكر .. ثم .. ثم يحطم سلاسل التبعية التي كبّلت الإنسان قروناً وقرون .. إنها دعوة مخلصة لإعمال العقل وإحياء التدبر وتفجير طاقات الإبداع .
الواقع الفكري والديني
ويطرح علي الشرفاء التساؤل الحائر دائماً : هل يُعقل أن تُطلب الهداية من موروث بشري بينما الوحي الإلهي بين أيدينا ناطق بالحق والعدل ؟ .. هل يُعقل ان يُقدم كلام البشر على كلام خالق البشر ؟! .. وهنا لا يطرح الحمادي مجرد سؤال أو رأي .. بل يشرّح الواقع الفكري والديني .. ويضع إصبعه على جرح غائر كبّل الأمة وغيب العقل وسط غبار موروثات عفنة.. مؤكداً في موسوعته الفكرية علي أن الإسلام ليس طقوساً مغلقة ولا أحكاماً صلبة .. بل مشروع رباني يحرر الفكر ويرتقي بالوعي ويزرع في الإنسان بذور الفهم والعمل والنهضة .
خارطة حياة إلهية للإنسان
فالقرآن لم يُنزَّل ليُروى بل ليفهم .. لم يُرسل ليُردَّد بل ليُستنبط منه ما ينهض بالناس .. كي يحقق الرحمة والعدل ويصنع الأمن والسلام .. إنه خارطة حياة أرادها الله للإنسان لا ليستكين .. بل ليستعيد دوره في الكون خليفة في الأرض واعياً مستنيراً .. ومن هنا يبدأ علي الشرفاء التركيز على جوهر العقل كأداة للتلقي والفهم .. مؤكداً علي أن نداء " اقرأ " في مطلع الوحي لم يكن صدفة .. ودعوات التفكر والتعقل في القرآن لم تكن عبثًا .. إنما هي دعوات تعيد الاعتبار للعقل كونه الوسيلة الشرعية لفهم الرسالة الإلهية .
الهداية لا ترث بل تُبحث
وفي هذا الإطار يكشف علي الشرفاء أحد أخطر ما أصاب الأمة .. وهو عبادة التراث وتحويله إلى مصدر أعلى من الوحي ذاته .. في حين أن الله ذم من اتبعوا ما وجدوا عليه آباءهم .. لأن الهداية لا ترث بل تُبحث .. لا تُؤخذ بالوراثة بل تُكتسب بالبصيرة .
ويسلط الشرفاء الضوء على ما سمّاه بـ غبار التراث .. ذلك الركام الذي تراكم عبر القرون من أقوال واجتهادات وتفاسير بشرية دُست علي أصل الدين .. فشوّهت المقاصد .. وأربكت الغايات .. وحالت بين الناس وبين جوهر الإسلام كما أنزله الله عز وجل.. لذلك يدعو إلى ميزان واحد لا ثاني له .. " القرآن الكريم " .. فمن أراد الحق فليزنه بكلام الله لا بكلام البشر .. ومن أراد الهداية فليتبع الوحي المنزل من عند الله سبحانه وتعالي .
تشكيل الوعي الديني
وينطلق الحمادي في موسوعته الفكرية ومضات علي الطريق من قاعدة يقينية وهي : " أن الحق لا يخشى المحاكمة .. والنور لا يخاف الكشف " .. قاعدة تستهدف إعادة تشكيل الوعي الديني على أسس متينة .. قاعدة لا تهدم التراث ولكن تُعيد تموضعه تحت سلطة الوحي لا فوقه .. علي ان يكون القرآن المصان في اللوح المحفوظ .. هو الركيزة والمرجع الذي لم يمسسه بشر بسوء ولم تطاله ايادي التحريف .
خارطة إلهية لتحرير الانسان
لذا فالراصد لصفحات ومضات علي الطريق يتيقن بأن مؤلفها لا يقدم خواطر .. بل يضع خارطة تحرير شاملة لعقل المسلم .. تبدأ من تحطيم صنمية التراث وتنتهي عند بوابة الإبداع .. حيث يتحول المسلم من تابع إلى مفكر .. من ناقل إلى محلل.. من متلقٍ إلى صانع رؤية ومشروع .. فالإسلام ليس دين حفظ بل دين بحث .. ليس رسالة تقليد بل مشروع نهضة .. لم يكن هدفه يوماً إسكات العقل بل تمكينه .. ليستعيد دوره الطبيعي في بناء حضارة قوامها الرحمة والعدل والحرية.
دعوة لإحياء الدين بالعقل
هذه هي دعوة علي الشرفاء الحمادي .. دعوة لإحياء الدين بإحياء العقل .. لتعود رسالة السماء كما أرادها الله .. نوراً يهدي .. وفكراً ينهض .. ومشروعًا يحرر الإنسان لا ليخضع بل ليصنع .. فحين يتحرر العقل ينكشف جوهر الدين .. وحين نعود إلى القرآن نغتسل من غبار القرون .. فالإسلام ليس ظلاً لماضٍ مات .. بل نورٌ لحاضر ومستقبل آت .. ومن لا يقرأه بعين العقل سيظل سجين الوهم .. والحق لا يُعبد إلا بحرية الفكر .. اللهم اني قد بلغت .. اللهم فاشهد .