
جميل أن يتسع هامش حرية التعبير، وأن تأخذ الكلمة الحرة سبيلها للقول وحظها من الاستماع وفضاءها من التفاعل.. فذلك أمر مرغوب ومؤشر إيجابي على الانفتاح وتقبل الآراء المختلفة، ودليل على الرقي في تعاطي المتلقي مع المتحدث.
وأجمل من ذلك أن تفسح الحكومة المجال للنقد البناء، وتتفرج على تباين الأفكار والرؤى بكل تجرد وحياد، وأن تتقبل النقد بصدر رحب وتعاط إيجابي من خلال الاستفادة من مضمونه، تطبيقا للصالح وتصويبا للطالح.
لكن الحكومة التي تمنح جزرة الحرية حقها في الرعاية والتمدد والانتشار، يلزمها أن تشهر العصا لضبط إيقاع الحرية حتى لا يتحول إلى فوضى تفتقد التناغم وتجر نحو الفوضى.
فبقدر مسؤولية السلطات العمومية عن صيانة حرية التعبير، تتأكد مسؤوليتها عن إبقاء تلك الحرية في مكانها الطبيعي بدون إفراط يُجاوزها الحد أو تفريط يُقْصِرها عنه.. فتلك مسؤولية كبرى لا ينبغي التفريط فيها أو التهاون في فرضها.
لقد تنامى خطاب الكراهية في وسائل التواصل الاجتماعي، خلال العقد الأخير، وها هو اليوم يخرج من الفضاء الافتراضي إلى عالم الواقع، منذرا بكارثة التصدع المجتمعي.
ثم إن مظاهر هذا الخطاب لم تعد حكرا على العامة، كما في السابق، بل إنها بدأت تتغلغل في صفوف النخب حتى وصلت قبة البرلمان المسؤولة عن تمرير وسن القوانين التي من أهمها تلك الضامنة لوحدة الشعب ومستقبل الأجيال وهيبة الدولة.
لقد طفح الكيل حتى منحت برلمانية، تمثل الشعب وتتحدث باسمه، نفسها حق التطاول على كيان الدولة من خلال نفي وجودها، وعبر كيل الشتائم لموظفيها السامين، فاتهمتهم بالخيانة والعنصرية وعدم الأمانة.. وحتى بالكفر، بعد أن أخرجتهم من دائرة الإسلام.
وحتى ذهب برلماني آخر، يمثل الشعب ويتحدث باسمه، إلى مربع التعاطف مع جانٍ ارتكب أبشع الجرائم بحق مواطن موريتاني، قتله بدم بارد ومَثَّل بجسده.
لقد بات من الواجب على السلطات العمومية، بل من الملح جدا، أن تضرب بيد من حديد على كل من يتطاول على لحمة المجتمع، وعلى رموز الدولة، ويمارس هواية التشكيك في كيان الوطن، ووصفه باللا دولة.. ولتجد يد الحديد طريقها للضرب على يد من يخاطب رموز الدولة بعبارات لا تليق بهم ولا بمن يدعي تمثيل الشعب.. فكفى تصامما عن مثل هذا الطيش يا رعاة النسيج الاجتماعي وقيم وأخلاق المجتمع.
*- المدير الناشر لوكالة الوئام الوطني للأنباء