
يُعد التقويض المُنتَظر لهيكل وبنية جماعة الإخوان في الأردن في أعقاب الإعلان عن ضبط شبكة مسلحة تابعة لها تعمل لحساب قوى خارجية، محطة جديدة ومهمة من محطات انكشاف تيار الإسلام السياسي في الإقليم، ومواصلة لنزيف محور المقاومة بزعامة إيران وحركة حماس.
كان سقوط جماعة الإخوان الأم وبعض أفرعها في المنطقة العربية في أعقاب الصعود الأول لهذا التيار تحت رعاية مشروع العثمانية الجديدة هو التجلي الأول لتراجع وأفول نجم الإسلام السياسي بالشرق الأوسط.
فيما يتمثل التجلي الثاني في تتالي انكشاف وتقويض هياكل باقي أفرع جماعة الإخوان التي دخلت ضمن شبكة أذرع محور المقاومة، كما يجري في لبنان والآن يحصل في الأردن.
ومكن ما حصل لمحور المقاومة في أعقاب عملية طوفان الأقصى قبل عامين من استنزاف وتراجع نفوذ إيران وأذرعها، سلطات الدول التي جرى استهدافها بالاختراق الميليشياوي -تحت غطاء نضالي مقاوم في فلسطين-، من أن تمسك بزمام المبادرة وتُجهض المخطط على مراحل وصولًا لتوقيف الخلايا وكشف تفاصيل نشاطها التخريبي تمهيدًا لمحاكمتها.
ومع كشف تفاصيل خلايا إخوان الأردن يتأكد مع عديد الشواهد السابقة تدشين الحرس الثوري الإيراني لهيكل تنظيمي عابر للحدود الإقليمية يجمع بين تشكيلات سنية وشيعية، تقوده حركتا حماس وحزب الله ويقع مركزه التدريبي في لبنان، في سياق تدعيم المجموعات المرتبطة بالمحور من اليمن إلى سوريا والعراق، علاوة على توسيع نشاطاته ونفوذه عبر زرع ميليشيات موالية داخل ساحات إستراتيجية جديدة، وكانت الأردن في مقدمتها.
واتسقت اعترافات عناصر خلايا إخوان الأردن ونوعية الأسلحة المضبوطة مع طبيعة نشاطات أذرع محور المقاومة السنية والشيعية تحت إشراف قادة وضباط من الحرس الثوري الإيراني وداخل معسكرات بلبنان يديرها قادة رئيسيون بحزب الله وحماس.
ودلت الأحداث المتصلة ببعضها، على أن المجموعة الإخوانية الأردنية حلقة ضمن العديد من الحلقات ومن ضمنها مجموعة إخوان لبنان (قوات فجر) وأدوار قيادات حمساوية جرى اغتيالها في لبنان أمثال صالح العاروري وغيره.
وسبق الكشف عن خلايا إخوان الأردن المسلحة ظهور دلائل تؤشر للعسكرة الناشطة ضمن محور إيران، وأن الأمر لا ينحصر في إطار تسيير المظاهرات التي تُرفع خلالها شعارات محرضة ضد الحكومة الأردنية.
ونشرت الحسابات التابعة لمحور المقاومة في العراق على تطبيق تليجرام في الأول من أبريل 2024م للقيادي بكتائب حزب الله العراقي أبو علي العسكري، معلنًا أن (المقاومة الإسلامية في العراق أعدت عدتها لتجهيز المقاومة الإسلامية في الأردن بما يسد حاجة 12 ألف مقاتل).
واكب إصدار هذا البيان ترحيب عناصر في الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران في العراق بتصاعد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الأردن، مُعرِبة عن رغبتها في فتح جبهة جديدة ضد إسرائيل من الحدود الأردنية.
وتفكيك السلطات الأردنية للخلايا التابعة لجماعة الإخوان بعد إنهيارات أذرع إيران السنية والشيعية في الإقليم، يُعد أحدث وأقوى مظاهر فشل المشروع الإيراني المؤدلج الهجين في الإقليم، والذي سعى على طريقته لوراثة مشروع العثمانيين الجدد بزعامة تركيا، بداية من العام 2019م.
وكما سقطت أدوات المشروع العثماني الواحدة تلو الأخرى بطرق مختلفة، تسقط أدوات المشروع الإيراني الذي لم يعتمد على ثيمة تمكين الإسلام السياسي في السلطة كما فعل الأتراك، بقدر ما اعتمد على إحداث اختراقات ميليشياوية مضافة بالعمق العربي.
وخططت إيران عبر زرع ميليشات موالية لها بالأردن لتوسيع نفوذها إلى حدود شرق البحر المتوسط تحت حجة كسر الحدود نحو الضفة الغربية، كما سعت لتعزيز النفوذ بمناطق جوار إسرائيل.
وراهنت إيران وحماس وباقي أذرع المحور على الطعن في صدقية وإخلاص الدول العربية للقضايا الإسلامية ولحقوق الفلسطينيين، مع الدفع باتجاه خلق حالة من عدم الثقة بين القيادة الأردنية والمواطنين، تقود إلى أجواء الصدام في الشارع.
وأرادت إيران في البداية إشغال إسرائيل بأذرعها في لبنان وغزة وسوريا واليمن بالتوازي مع الدفع لإسقاط النظام الأردني وإلحاق الأردن بمحورها بحجة قيادة العالم الإسلامي للانتصار على الدولة العبرية إنطلاقًا من حصارها وتطويقها من عدة جهات.
جرت الأحداث في الإتجاه المعاكس، وصولًا لمستوى انكشاف غير مسبوق لمركز المحور بعد قطع أذرعه خلال حرب مدمرة راح ضحيتها آلاف المدنيين العزل، بالتوازي مع تقويض الهياكل العسكرية لذراعي إيران الرئيسيين في غزة ولبنان، وأخيرًا البدء في تفكيك الدول المستهدفة بالاختراق الميليشياوي مثل الأردن للخلايا العسكرية الكامنة التابعة للمحور.
ما جرى من خسارة كبيرة لإيران التي فقدت الكثير من هيبتها الإقليمية بعد تفكيك أدواتها بالعمق العربي، ينطبق على حركة حماس التي لعبت داخل محور إيران دورًا مشابهًا لما لعبه التنظيم الدولي لجماعة الإخوان داخل تكتل العثمانيين الجديد؛ حيث أُسندت لجماعة الإخوان الأم دور زعامة الحركات السنية.
ورأت حركة حماس أن انضواءها في محور إيران وفقًا لبرنامج عمله العابر للحدود الوطنية الذي أوهمها بجعلها زعيمة للفصائل السنية في الإقليم نظير خدمة أهداف وإستراتيجية النظام الإيراني هو بمثابة إنقاذ لها.
وخشيت حماس من فشل تجربتها المحلية في الحكم بقطاع غزة أسوة بأفرع الإسلام السياسي بالدول العربية، كما هاجمتها الهواجس بسبب الدفع باتجاه السلام الإقليمي، وهو ما تلاقى برغبة النظام في إيران في الخروج من هواجس الثورة ضده بالداخل على ضوء المشكلات الاجتماعية والاقتصادية وأزمة الشرعية.
وقادت الهواجس المشتركة بين إيران وحماس قبل أكثر من خمس سنوات إلى تشبيك حالة ميليشياوية سنية شيعية تحت زعامة إيران، كرافعة إنقاذية لمجمل تيار الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي بالمنطقة والعالم.
نقل التحالف الجديد حركة حماس من نطاقها المحلي داخل قطاع غزة إلى قوة سياسية إقليمية ذات تأثير قوي بالعديد من الساحات، من منطلق خطة إستراتيجية إيرانية اقتضت توحيد الساحات السنية وجعلها تحت إمرة حركة حماس الفلسطينية، وهي التي صارت بمثابة قائدة للأفرع السنية بالدول العربية داخل محور إيران، سواء بالأردن أو لبنان أو العراق أو أي ساحة عربية مستهدفة أخرى.
وإذا كان حزب الله قد اضطلع بدور زعامة الكيانات والميليشيات الشيعية داخل محور المقاومة، فإن حماس قد جرى النفخ فيها من منطلق تصويرها كبديل عن جماعة الإخوان الأم المتراجعة في الإقليم والعالم- في سياق مشروع ثورات جديد بالداخل العربي تتزعمه وتتصدر مشهده هذه المرة حركة حماس لا جماعة الإخوان الأم في مصر.
وتوزعت أدوار حركة حماس على مهام تحويل السنة إلى قوة أيديولوجية وشعبية تمنح إيران الغطاء الضروري للتمدد في عمق الفضاء السني، علاوة على إدارة عملية عسكرة الفصائل السنية داخل محور المقاومة.
تمحور دور حماس في قيادة الكيانات السنية داخل محور إيران حول تسهيل زرع الميليشيات السنية داخل ساحات بعينها بهدف إلحاقها بالنفوذ الإيراني، تحت غطاء القضية الفلسطينية وتحرير الأقصى، فضلًا عن تطوير النشاط العسكري من منطلق نفس الذريعة، وهو ما تحقق بنسب متفاوتة في لبنان والأردن.
بعد مغامرة هجوم طوفان الأقصى غير المدروسة جيدًا، لم تهنأ حركة حماس بوضعها الإقليمي الجديد داخل محور إيران كزعيمة للكيانات السنية داخله، وفقدت الكثير من مكاسبها قبل أن تُصاب بانهيار شبه كامل.
وبعد الخسارتين الكبيرتين في غزة ولبنان، تتعرض حماس لضربة هي الأقوى بكشف خلايا الإخوان المسلحة في الأردن؛ فلم يعد للحركة حضور يُذكر لا على المستوى المحلي داخل غزة بعد محو القطاع من الوجود، ولا على المستوى الإقليمي حيث طمعت في لعب دور وريث الإخوان والقائد للأجنحة السنية.
ما يجري هو بمثابة استعادة المملكة الأردنية التي جرى استهدافها بالميليشيات من قبل إيران لتماسكها، والبدء في طريق استعادة الاستقرار والتفرغ للتنمية الاقتصادية، بمعزل عن صداع جماعة الإخوان، ما يعني سير الأردن على نفس الطريق الذي سارت عليه مصر بعد تقويض هيكل الإخوان العسكري والسياسي والاقتصادي.