
في خضم الفوضى الفكرية التي تسببت فيها التيارات المتطرفة، يصبح لزامًا علينا أن نعيد التأمل لنميز بين من فسر النص بوحي من النفس المطمئنة التي سلمت وجهها لله، ومن قرأه بعين نفس مضطربة تسعى للانتقام لا للهداية.
لقد خلق الله النفس المطمئنة لتكون منبعًا للسلام والرحمة والخير، تعيش في يقين بالإيمان ورضا بالقدر، وتفسر النص القرآني بما ينسجم مع مقاصده العليا التي جاءت لصالح الإنسان وكرامته، فهذه النفس لا ترى في القرآن أداة للتهديد ولا منصة للكراهية، بل رسالةً للرحمة والهداية والتزكية. ولهذا فإنها ترى في قول الله تعالى:
«مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً» (النحل: 97) وهذا وعد إلهي بالسلام الداخلي والمجتمعي، وفتح لباب الأمل أمام كل من يبتغي وجه الله بالخير والإصلاح.
لقد أنتجت هذه القراءة العنيفة تفسيرات تتعارض مع التسامح، واستُخدمت لتبرير سفك الدماء وإقصاء الآخر وتكفير المجتمع، ولم يكن هذا ليحدث لولا أن النفوس المريضة، حين تمسك بمفاتيح النص، تحوله من دعوة للحياة إلى أداة للموت.
وهنا تبرز الحاجة إلى أصوات تنبع من نفوس مطمئنة، تعيد القرآن إلى مراده الأول، وتدعو إلى فهمه بعيدًا عن أهواء السياسة وميراث الكراهية، ومن بين هذه الأصوات، يتألق المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي، الذي شكّل مشروعه الفكري دعوةً صريحة لتحرير النص القرآني من أَسر الروايات والتأويلات الظلامية.
يدعو المفكر الشرفاء الحمادي في كتبه ومقالاته، إلى العودة إلى القرآن كمرجع أوحد، وفهمه على ضوء مقاصده الكبرى: الحرية، السلام، الرحمة، العدل، وكرامة الإنسان.
وقد كشف المفكر الشرفاء في مشروعه كيف أن تحريف المقاصد تم عبر عقود من ترويج فتاوى باطلة، نُسبت زورًا إلى الدين، بينما هي في حقيقتها نبتت من نفوس مأزومة وقلوبٍ مريضة.
المفكر علي محمد الشرفاء لا يخشى تسمية الأشياء بمسمياتها، فيصف بجرأة من وصفوا الإسلام بأنه دين السيف والدمار بأنهم مفترون، ويبيّن أن منبع الفتنة هو الانحراف عن مرجعية القرآن إلى بحار الروايات البشرية التي خالفت صريح الكتاب، فهو يدعو إلى الإسلام الحقيقي، إلى دين الأخلاق لا دين الطغيان، إلى الرحمة لا القسوة، إلى حرية العقيدة لا فرضها بالإكراه.
إن صوت علي الشرفاء اليوم هو أملٌ للأمة، بأن تعود إلى رشدها، وتقرأ كتاب ربها بعيون الرحمة، لا بعيون الحقد، فقد قدّم لنا رؤية تستحق أن تُصان، وفكرًا يجب أن يُدرس، وجهدًا يستحق الشكر والتقدير والإشادة منا جميعا.