
في عام 2012، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن الأول من يونيو من كل عام سيكون يومًا عالميًا للوالدين، على أن يُحتفل به سنويًا في كافة أنحاء العالم.
وإذا كانت الأمم المتحدة في عام 2025 تدعو للاحتفال باليوم العالمي للوالدين تحت شعار «تنشئة الوالدين» تركيزًا على حقيقة جوهرية، هي أن التربية مهارة مكتسبة، فإننا نؤكد على أن «تنشئة الوالدين» التي تتبناها الأمم المتحدة وتدعوا لها في العيد الـ 13 للوالدين، على اعتبار أن الأباء ومقدمو الرعاية في حاجة إلى الوقت والموارد والدعم المناسب لتربية أطفالهم في بيئة داعمة وإيجابية. من الواجب أن تتضمن منظومة القيم والأخلاق التي شملها كتاب «رسالة الإسلام».
فوفقًا لرسالة الإسلام، فإن حكمة الله سبحانه اقتضت البدء بتربية النشء على تعليمهم تطبيق المنهاج الإلهي الذي يؤسس لديهم قيم الأخلاق القرآنية وصفات المؤمنين التي ذكرها القرآن في آيات الذكر الحكيم، ليصحح لدى الأفراد سلوكياتهم لتتوافق مع الاخلاق السامية كما وصف الله رسوله عليه السلام: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} القلم (٤)، كما وصف الله رسوله أيضًا بالرحمة في قوله مخاطباً رسوله {وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَٰلَمِينَ} (الأنبياء:١٠٧).
إن الفرد اللبنة الأولى لتكوين المجتمع، واذا تمت تربية الأفراد وفق المنهاج الإلهي الأخلاقي والقيم النبيلة، يستطيع المجتمع أن يؤسس بهم مجتمع الرحمة والعدالة، ويخرج منهم قادة متفانون في خدمة أوطانهم دون استعلاء ولا مِنَّة أو تكبُّر، ويشترك الجميع في رسم خارطة المستقبل لهم ولأجياله بواسطة التشاور والمصارحة التي تستهدف بناء وطن يحقق التكافل بين كافة المواطنين، مما يحقق مصلحة الجميع، ويكون المشرفون على خطة المستقبل في التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية أكثر حرصًا وأمانةً وانفتاحًا مع القادة في إبداء الرأي الأمين بكل الوضوح دون خوف أو إرهاب، مما يتيح أن يتشاور الجميع بكل المصداقية في تحقيق آمال المجتمع في الحرية والعدالة والمساواة، ويشعر جميع المعنيين بإدارة سياسة التنمية بالأمانة أمام الله قبل أن تكون أمام القائد، وأن يكون الحوار بينهم فيما يتعلق بمستقبل المجتمع دون نفاق أو خوف، فكلهم أعضاء في فريق متساوي المسؤولية لتحقيق أمنيات المجتمع.
وإذا انحرف الإنسان عن هذا المنهج، واستعلى على الناس، فقد حُجِبَت بصيرته، ووقع في الظلمات، وخالف صفات المؤمن التي ذكرها الله في كتابه الكريم، ومن أبرز هذه الصفات:
(*) الرحمة والتواضع.. {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا } الفرقان (٦٣) الإنفاق وكظم الغيظ والعفو.. { الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} آل عمران (١٣٤).
(*) الشورى والتكافل.. { وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } الشورى (٣٨)العدل والشهادة للحق.. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ } النساء (١٣٥) العفو والإحسان.. ﴿ إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ النساء (149) الالتزام بالقيم.. { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } النحل (٩٠) * { وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ } المؤمنون (٣).
(*) الصفح الجميل.. {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ }الحجر (٨٥) اجتناب الظن والغيبةوالتجسس..{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ } الحجرات (١٢) القول الحسن مع الناس.. { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } البقرة (٨٣) المائدة (٢) التعاون على البر والتقوى.. { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }دفع السيئة بالحسنة..{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } فصلت (٣٤).
(*) الاعتدال بين الدنيا والآخرة.. { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }القصص (٧٧).
(*) عدم اتخاذ الحلف بالله مانعًا للخير.. { وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} البقرة (٢٢٤) الأخوةبين المؤمنين.. {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} الحجرات (١٠) النهي عن السخرية واللمز.. { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } الحجرات (١١) الكلمة الطيبة تدفع العداوة.. {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} الإسراء(٥٣).
(*) التواضع في التعامل مع الناس.. {ولَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} لقمان (١٨).
تلك الصفات تمثل جوهر الإيمان، وسلوك المسلم الحقيقي الذي يتبع منهاج الله في القرآن الكريم. ومن هنا، ينبغي لكل شيخ دين، وعالم، ومفكر، وقاضٍ، ومسؤول مسلم، أن يسأل نفسه: هل تتجلى هذه الصفات في سلوكه اليومي، وفي علاقاته وتعاملاته؟إن من يدّعي تمثيل الإسلام، ولا يتحلى بهذه الصفات، فعليه أن يراجع إيمانه، لأن الله قد أنذرنا في كتابه بقوله:(ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا؟ قالوا بلى، ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين) [الزمر: 71].
في الختام، وجب القول إن «منظومة القيم والأخلاق»، لا تقتصر وفقًا لرسالة الإسلام على بر الوالدين، بل تمتد إلى العلاقة الزوجية وحقوق اليتامى وضوابط الميراث والإنفاق فى سبيل الله وسلوك المسلم.