
منذ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928، ظل هدفها الرئيسى ثابتًا: الوصول إلى الحكم وإقامة نظام سياسى بديل، تحت غطاء دينى وشعارات «الإصلاح الإسلامى»، ورغم ما تعرض له التنظيم الإرهابى من ضربات أمنية وانكشافات سياسية، خاصة بعد عام 2013، إلا أن الجماعة لم تتخلَّ عن مشروعها، غير أن الجديد هو تغير الواجهة وتحوّل أدوات العمل، فى محاولة لتجاوز العزلة الشعبية والسياسية.
لا حظنا عن كثب أن الهدف لم يتغير لكن الأدوات تتبدل؛ حيث لم تتخلّ جماعة الإخوان عن مشروعها لإسقاط الدولة المصرية، بل لجأت إلى استراتيجيات جديدة تقوم على التخفِّى خلف واجهات غير إخوانية ظاهريًا، وتتبنّى هذه الواجهات خطابًا مختلفًا من حيث الشكل، لا يحمل طابعًا دينيًا مباشرًا، ولا يربطها بالتنظيم تنظيميًا، لكنها تخدم نفس الأجندة.
وقد تبنّت الجماعة الخائنة الإرهابية نموذج «العمل خلف الستار»، بتأسيس كيانات إعلامية ومنصات رقمية يديرها أفراد لا يُعرف عنهم أى ارتباط مباشر بالتنظيم، ويظل الهدف هو التأثير على الرأى العام، خاصة فئة الشباب، من خلال محتوى يبدو إنسانيًا أو وطنيًا فى ظاهره، لكنه يحمل مضامين سياسية تُوظف ضد الدولة المصرية. أصبحت القضية الفلسطينية، وبخاصة الحرب فى غزة، مدخلًا مثاليًا للإخوان لتحريك الشارع المصرى عاطفيًا دون أن يظهروا بشكل مباشر فى الصورة؛ فعبر منصات مثل «ميدان» وغيرها، يتم تصدير خطاب إنسانى – يبدو محايدًا – يُدين العدوان الإسرائيلى ويُبدى تضامنًا مع الفلسطينيين، لكنه فى الوقت ذاته يوجه سهام النقد إلى الدولة المصرية، ويتهمها بالتقاعس أو التواطؤ. تتجنب هذه المنصات الخطاب الإخوانى التقليدى، وتستخدم لغة إعلامية احترافية، وتستهدف شريحة الشباب من خلال المحتوى المرئى والسرد القصصى، ولأن هذه المنصات لا تُعرف بأنها إخوانية، يسهل عليها كسب ثقة المُتلقِين وتوجيههم عاطفيًا. وفى واحدة من أكثر اللحظات الكاشفة، خرجت مظاهرة فى مدينة تل أبيب دعمًا لغزة، وظهر فيها عناصر محسوبون على جماعة الإخوان وهم يرفعون شعارات توحى بالتضامن مع الفلسطينيين، لكن المفارقة كانت فى ظهور تنسيق غير مباشر مع مجموعات تنتمى إلى تيارات إسرائيلية يسارية، فضلًا عن تنسيق مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. سلّط هذا الحدث الضوء على التناقض الصارخ فى الخطاب الإخواني؛ فمن جهة، ترفع الجماعة شعار «المقاومة»، ومن جهة أخرى لا تمانع فى استغلال أى تحالف أو دعم - حتى لو جاء من داخل إسرائيل - لخدمة أجندتها السياسية، وهو ما يؤكد أن القضية الفلسطينية ليست سوى أداة فى مشروع الإخوان، وليست هدفًا بحد ذاتها. وفقًا لتقارير وتحليلات أمنية وسياسية، فإن التنظيم لا يسعى حاليًا لإحداث فوضى فورية أو «ثورة مفاجئة»، بل يعمل على التمهيد التدريجى من خلال تشكيل وعى مُغاير لدى الأجيال الجديدة، والهدف هو إحداث تآكل للثقة فى الدولة والمؤسسات، وإعادة بناء الحاضنة الشعبية التى فقدها التنظيم بعد العام 2013. السيناريو المرجَّح هو أن التنظيم يستهدف لحظة مناسبة بعد 4 أو 5 سنوات، تكون فيها البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية قد أُنهِكَت بما فيه الكفاية، ليُقدّم نفسه كبديل جاهز أو محرك لاحتجاجات واسعة، وهذا يتطلب تجهيز الأرض مُسبقًا عبر حملات إعلامية، وتجنيد وجوه غير محسوبة على التنظيم، لتقود المشهد تحت شعارات «مدنية» أو «حقوقية» أو «إنسانية». ومن أخطر أساليب التنظيم المُستحدثة هو إنشاء منصات إعلامية ومجتمعية لا تبدو مرتبطة به، لكنها تخدم مشروعه بالكامل، وتستقطب هذه المنصات شخصيات شابة مؤثرة، من صحفيين ويوتيوبرز ومؤثرين على مواقع التواصل، ممن لا يُعرف عنهم انتماء إخوانى، ليكونوا أدوات غير مباشرة لنشر رسائل التنظيم. وفق ما تم رصده، فإن تمويل هذه المنصات يتجاوز مليار دولار، تأتى من دول إقليمية ومنظمات دولية يُعتقد أنها ترتبط بشبكة مصالح مع جماعة الإخوان، وتسعى لزعزعة استقرار مصر.