مطلب الكل: "نريد بلد العدل والإنصاف" / نوح محمد محمود

اثنين, 09/15/2025 - 20:56

 

في كل زمان ومكان، تظل العدالة والإنصاف مطلبًا إنسانيًا جامعًا لمختلف البلدان، لا يختلف عليه اثنان، ولا يفتقر إلى مرافعة، وفي موريتانيا، بلد التعدد العرقي والثقافي، أصبح هذا المطلب أكثر إلحاحًا مع تصاعد الأصوات الغاضبة وتنامي الشعور بالغبن والإقصاء داخل بعض الفئات والشرائح.
لقد بدأت تظهر في المشهد الوطني بوادر صراع فئوي وعرقي وإثني، تدفعه مشاعر متراكمة ينادي أصحابها بشعارات مثل التهميش، وسوء توزيع الثروة، والظلم الاجتماعي، والفساد الإداري، والزبونية، وغياب مبدأ تكافؤ الفرص، وهي عوامل مجتمعة، إلى جانب ضعف الشعور بالوطنية الجامعة، خلقت بيئة خصبة لنمو خطاب الكراهية والتصنيفات الضيقة، التي تهدد السلم الاجتماعي وتقوض مشروع الدولة الوطنية.
وما يزيد الطين بلة، هو خروج بعض الأصوات من مختلف الشرائح — من لحراطين، والزنوج، والبيظان — ممن يتبنون خطابات عنصرية متطرفة، تتغذى على مآسي الماضي وتعمّق جراح الحاضر، بدل أن تدعو إلى الوحدة والإصلاح. 
إن هذه الخطابات، وإن اتخذت من معاناة بعض الفئات ذريعة، إلا أنها لا تخدم سوى مشروع التفكك والانقسام، وتضع البلاد على حافة منزلق خطير. 
إن موريتانيا اليوم، بتركيبتها المعقدة، لا تحتمل هذا النوع من الشحن العرقي، فهي بلد هش، محاط بحدود إقليمية ملتهبة، وأزمات تتنقل بين الجيران كالنار في الهشيم، وفي مثل هذا الوضع، فإن تجاهل هذه المؤشرات أو التعامل معها بخفة، يعني المقامرة بمستقبل الدولة والمجتمع.
من هذا المنبر، نوجه نداءً عاجلاً إلى فخامة رئيس الجمهورية  رئيس المجلس الأعلى للقضاء، ووزير العدل حافظ الاختام ، وجهاز القضاء الوطني، والعلماء، والحكماء، وقادة الرأي من كافة شرائح المجتمع، لتحمل مسؤولياتهم الأخلاقية والوطنية قبل فوات الأوان، لا قدّر الله.
إن صيانة السلم الأهلي وتحصين الوحدة الوطنية يتطلبان عدالة شاملة، تضمن الحقوق وتقر بالاختلاف وتحارب الفساد والمحسوبية، دون أن تساوم على مبادئ القانون. 
كما يتطلب الأمر تفعيل دولة القانون والمؤسسات، بحيث يشعر كل مواطن، أيًا كان انتماؤه، بأنه محترم ومصان وله نصيب عادل في خيرات الوطن.
 إن العدل - كما هو معلوم - ليس ترفًا، بل هو أساس الملك، والإنصاف ليس منّة، بل هو حق لا يجوز التلاعب به، وإن لم نسارع جميعا اليوم إلى تجسيدهما واقعًا حيًّا، فغدًا قد لا يبقى لدينا وطن نختلف فيه، ولا مؤسسة نلجأ إليها، ولا قضاء ينصفنا.