البيان الصادر اليوم (١٥ يناير ٢٠١٩) عن رئاسة الجمهورية الاسلامية الموريتانية مجرد مشهد بائس من مسرحية تافهة.
فحتى يلج الجمل فى سَمِ الخياط، لن أقتنع بأن المبادرة البرلمانية لتعديل الدستور وُلدتْ فى غير حِجر الرئيس.
وحتى يؤمَّ البابا بنديكت السادس عشر صلاة الجمعة فى مسجد قباء لن أقتنع بزهد محمد ولد عبد العزيز فى السلطة.
و احتمال أن ينهض باقلٌ من قبره ويُعيّن غداً أستاذاً زائرا فى جامعة هارفارد وعضواً فى المجلس العلمي لوكالة ناسا، أكثر ورودا من احتمال هبّة عزيز – بمحض إرادته- انتصارا للديمقراطية والتناوب السلمي على السلطة.
لقد أرغم الرئيسُ على تعديل السيناريو وتبديل مَن مِن الممثلين لم يكن مبدّلا فى الأصل،و تغيير صالة عرض المسرحية الهزلية من البرلمان إلى فضاء محدود طُلب منه تحويل الفشل إلى انتصار.
لماذا لم يوقف عزيز- ومنذ اليوم الأول- مهزلة المأموريات وهي لا تزال تزلفاً لفظياً وملصقات على أعمدة فى العاصمة؟
ولماذا لم يوقفها و قد تطورت إلى مبادرات تُساق إليها القبائل والموظفون بترهيب من النظام وأركانه ؟
ولماذا ركز النظام وإعلامه مؤخرا على
إيهام الموريتانيين بأن طوفاناً من الكراهية وريحا صرصراً عاتيةً من التطرف ستقتلعهم والبلدَ من جذوره يوم يترك عزيز السلطة؟
لقد سقط سيناريو الحرب العرقية المفتعلة، وانتقلت صحوة الرفض من مجلس الشيوخ إلى الجمعية الوطنية، وبات لزاماً التفتيش عن ملهاة أخرى لكسب الوقت وتجميع الفلول.
قبل فترة كتبتُ أن عزيز يبحث عن ضمانات لمخرج لا خسائر فيه، وتعلمون جميعا أن لديه ما يخسره صبيحة اليوم المعلوم من منتصف السنة الجارية.
بعض مقربيه العاملين بتجربة (ما حكَّ جلدَك مثلُ ظفرك)، وماكيافيلية ( لا تقفز وتتركنا) نبهوه إلى أن
الحاشية الحكومية والسياسية – كلما دنا موعد الوداع- سوف تتبرأ منه، ولها فى ذلك سوابق مشهودة، وقد بدأت تطفو منها على السطح تصرفات للذكر فيها مثل حظ الأنثيين.
والجيش، الذي ليس فقط ألوية فى مكاتب مكيفة، يرقب المشهد ويوجه رسائل ثابتة الفحوى: “لن تكون يا عزيز أعز علينا من موريتانيا، فلا تجازف بجعلنا نحسم الخيار على الملأ”.
ولا يزال عزيز يبحث عن مخرج دون خسائر، ولا يزال بعضهم يوهمه بأن المراوغة هي أقصر السبل.
و إن من المراوغة الإيعاز بتنظيم استقبال جماهيري شكرًا للرئيس على أنه سيترك السلطة.
لقد تحول التمسُّك إلى تبخُّر.