
تأمل في مسيرة الفريق حننه ولد سيدي، وزير الدفاع الوطني، لتدرك أنك أمام نموذج نادر في زمن التحولات السريعة والولاءات المتقلبة. رجل وُلد من رحم الصحراء في باسكنو بتاريخ 31 ديسمبر 1956، وترعرع في بيئةٍ من الصبر والانضباط والولاء للأرض والقبيلة والوطن. ابنُ عائلةٍ حملت همّ الناس قبل أن تعرف معنى المنصب، فكان من الطبيعي أن يتربى على الإحساس بالمسؤولية والغيرة على أمن المجتمع واستقراره.
منذ أن التحق بصفوف الجيش الوطني متطوعًا سنة 1978، كان واضحًا أن أمام المؤسسة العسكرية شابًا يحمل طموحًا استثنائيًا. فحصل على باكالوريا رياضيات مزدوجة، ثم تابع دراساتٍ في القانون، قبل أن يظفر بـماجستير في العلوم الإدارية والعسكرية، جامعًا بين فكر القانونيين وانضباط العسكريين. تنقّل في سلم التكوين بين مكناس المغربية وأطار الموريتانية، ونال أرفع الشهادات: من «قائد فصيلة» إلى «دورة الأركان» (1992–1993) ثم «دورة عليا حرب» (2000–2001)، ليصبح لاحقًا أحد العقول التنظيمية النادرة في جيش بلاده.
لم تكن ترقياته مجرد روتين إداري، بل كانت مسارًا متدرجًا من التفوق والقيادة: من ملازم سنة 1981 إلى فريق في 2016. قاد المناطق العسكرية في الشمال والشرق، وأدار مراكز التدريب والمكاتب الفنية، وتولى مناصب حساسة أبرزها المدير العام للأمن الخارجي والتوثيق (2005)، والمفتش العام للقوات المسلحة (2009)، ثم قائد الأركان العامة المساعد (2013).
غير أن ذروة حضوره الإقليمي تجلّت في قيادته للقوة المشتركة لدول الساحل الخمس سنة 2018، وهي تجربة أكسبته تقدير العواصم الكبرى واعتراف شركاء موريتانيا الدوليين بقدرته على الجمع بين الحزم العسكري والرؤية الاستراتيجية. لقد كان مشروعه في تلك المرحلة واضحًا: أمن واستقرار شعوب الساحل لا يمكن أن يتحقق إلا عبر مقاربة شاملة تمزج بين التنمية والأمن والسيادة المشتركة.
ولم يكن غريبًا أن يُوشَّح بأوسمة من بلده ومن دولٍ صديقة:
ضابط في نظام الاستحقاق الوطني (2008)
كوماندور قوات الشرف الفرنسية (2016)
الوسام الكبير للقيمة العسكرية الإسبانية (2018)
ضابط في نظام الفروسية البوركينابي (2019)
كلها شهادات دولية على كفاءة رجلٍ أدرك منذ البدايات أن احترام المؤسسات وتماسك الجيش هو الضمان الأول لوحدة موريتانيا.
واليوم، بصفته وزيرًا للدفاع الوطني منذ أغسطس 2019، يواصل الرجل بثبات مشروعه في تحصين الحدود، وبناء جيش جمهوري متماسك، وترسيخ الولاء للدولة لا للأفراد. ورغم الحملات المغرضة التي يشنّها بعض المتسلقين والموتورين، يبقى الثابت أن هذا الرجل لم يأتِ من فراغ، بل من مدرسة الشرف والانضباط والتضحية.
إنهم يهاجمونه لأن حضوره يذكّرهم بعجزهم، وثباته يفضح مكرهم، وكفاءته تحرج ضعفهم.
لكن التاريخ كعادته لا ينصت إلى الضجيج، بل يسجل في صفحاته فقط أسماء الرجال الذين صنعوا الفرق.
في زمنٍ تتكاثر فيه الضوضاء ويغيب فيه الصدق، يظلّ أمثال الفريق حننه ولد سيدي رمزًا لما يجب أن يكون عليه القائد: صلابة في المبدأ، تواضع في الميدان، ووفاء للوطن الذي أنجبهم.
إن الدفاع عن الوطن لا يكون بالشعارات، بل بالمواقف... وموريتانيا اليوم بحاجة إلى رجالٍ من طينته، يحرسون الأرض كما يحرسون القيم.
أحمد جبريل عبد الله.