تقرير محكمة الحسابات فرصة لإحداث زلزال مدوٍ في حكامة المفسدين ...

جمعة, 10/10/2025 - 15:34

 

أحدث تقرير محكمة الحسابات يوم أمس صدمة قوية للرأي العام، مؤكداً ما ظلّ المواطنون يتحدثون عنه همساً وعلانية من أن الفساد لم يكن استثناءً في الإدارة الموريتانية، بل جاء مدعوماً بالوقائع، مدججاً بالأدلة، ومعبّراً عن عمق الاختلالات التي نخرت مفاصل الدولة، وجعلت من المال العام كعكة تتقاسمها حفنة من المفسدين، دون رادع أو حياء.
اليوم، وقد اطّلع رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، على هذا التقرير كما اطلع على تقارير سابقة صادرة عن مفتشية الدولة، يجد نفسه أمام لحظة تاريخية فارقة، لا تحتمل التأجيل ولا التسويف، وعليه أن يختار الوقوف في صف الشعب، فيصنع قطيعة جذرية مع مرحلة التسيب والنهب.
إن رئيس الجمهورية يملك اليوم كل الوسائل الدستورية والسياسية والقضائية لاتخاذ خطوات جريئة تعيد الثقة في الدولة عقب النهب المتواصل، ومن بين هذه الخطوات:
1- فتح تحقيق قضائي عاجل وشفاف بحق جميع الأسماء التي وردت في تقرير محكمة الحسابات، مع اعتماد مبدأ "من أين لك هذا؟" دون تمييز أو انتقائية.
2- إقالة جميع المسؤولين – أياً كانت رتبهم – الذين ثبت ضلوعهم في الفساد أو التقاعس عن محاربته، بمن فيهم الوزراء، الأمناء العامون، المدراء، ومنسقي المشاريع 
3- إجبار المتورطين على استرجاع الأموال العامة التي تم نهبها، أو التي تم تسييرها بطرق غير قانونية أو مشبوهة.
4- محاكمة علنية لهؤلاء المفسدين، تُبث جلساتها أمام الشعب، حتى يدرك المواطن أن لا أحد فوق القانون.
5- تشكيل حكومة نظيفة من شخصيات ذات كفاءة ونزاهة، لم تتلوث بالفساد لا في العشرية ولا في غيرها.
ومما لاشك، إذا لم تُفعّل الخطوات أعلاه، وإذا لم يُعاقب من كشفهم تقرير محكمة الحسابات ومفتشية الدولة، فسيصبح من العبث مواصلة محاكمة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، لأنه لا معنى لاستثناء البعض من المحاسبة وترك آخرين يرتعون في الإدارات ويمارسون نفس الأساليب المدمرة.
إن العدالة يافخامة رئيس الجمهورية لا تتجزأ، وإذا كان الرئيس السابق قد سُجن بتهم فساد، فإن الذين ساروا في ركب نظامه ونهبوا معه أو بعده يجب أن يلقوا نفس المصير، وإلا فإن المحاسبة تكون قد تحولت إلي  مسار آخر.
ختاما، نوجه نداءً صادقاً ومفتوحاً إلى رئيس الجمهورية أن يطهر إدارة الدولة من المفسدين، وأن يعيد للمال العام هيبته، ويخرج الفساد من مفاصل الدولة، ولو أدى ذلك إلى زلزال سياسي أو إداري، فبلدنا لا يتحمل مزيداً من العبث، ومواطنونا تعبوا من الفراغ والتسيب والمحسوبية.

 

نوح محمد محمود كاتب صحفي مقيم في دولة الامارات العربية المتحدة .