نظرية الحرمان النسبي وتداعيات الفساد المالي على الدولة والمجتمع / نوح محمد محمود

أحد, 10/12/2025 - 15:12

تُعَدّ نظرية الحرمان النسبي من أهم النظريات الاجتماعية والاقتصادية التي تُفسر سلوك الأفراد والجماعات في المجتمعات التي تعاني من التفاوت، حيث يرى الأفراد أنفسهم محرومين مما يعتقدون أنهم يستحقونه مقارنةً بآخرين في بيئتهم. 
وفي السياق الموريتاني، يمكن أن تُفسر كثير من الظواهر الاجتماعية والاقتصادية، مثل الفساد، والجريمة، والتطرف، من خلال هذه النظرية، وذلك أنها ترتكز على شعور الأفراد أو الجماعات بأنهم أقل حظًا أو مظلومون مقارنةً بغيرهم، حتى وإن لم يكونوا فقراء.
إن تجاهل تقرير محكمة الحسابات وتقارير سابقة لمفتشية الدولة أو التباطؤ في اتخاذ إجراءات رادعة ضد المتورطين فيها يُعد تهديدًا مباشرًا للأمن المجتمعي، إذ يُسهم في تفشي الإحباط وفقدان الثقة في مؤسسات الدولة، ويُغذي شعور الظلم واللاعدالة لدى المواطنين، فغياب المحاسبة يشجع على الإفلات من العقاب، ويُعزز ثقافة الفساد، مما قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وتصاعد الغضب الشعبي، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.
لذلك، فإن تحرك الدولة بشكل سريع وحازم لمحاسبة المتورطين واسترجاع الأموال المنهوبة، وتفعيل آليات الرقابة والشفافية، يمثل ضرورة ملحّة لحماية الاستقرار المجتمعي واستعادة ثقة المواطن في دولة القانون.
لا يمكن فصل ظاهرة الإرهاب التي عرفتها موريتانيا -خصوصًا في بدايات الألفية الثالثة– عن سياق الحرمان النسبي، فقد وجدت التنظيمات المتطرفة، أرضًا خصبة لتجنيد الشباب الذين يشعرون بالغبن والتهميش.
لاشك أن مشاعر الظلم واللاعدالة والفقر تغذي نزعة الغلو، وانتشار الجريمة والمخدرات، حيث يرى الشاب أن الدولة خانته، فيلجأ إلى بدائل تمنحه "كرامة" و"هوية" حتى لو كانت متطرفة، وفي هذا السياق، يصبح الإرهاب رد فعل عنيفًا على الحرمان، وليس نتيجة لقناعة دينية متجذرة.
ما يزيد من تعقيد الأزمة في موريتانيا هو ضعف رد الدولة أمام هذه المظاهر، بل وتورط بعض مؤسساتها في تكريسها، فبدل أن تكون الدولة أداة لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية، أصبحت أداة لإعادة إنتاج الظلم عبر إضعاف أجهزة الرقابة والمحاسبة.
إن موريتانيا بحاجة إلى رؤية إصلاحية عميقة لا تكتفي بالشعارات، بل تنطلق من فهم واقعي للمجتمع، وتكافح المسببات البنيوية للظلم والغبن، لتجنب انزلاق البلاد نحو مزيد من التطرف والجريمة والانهيار.