«الجهاديون» فى اختبار الدولة والبقاء / بقلم الاعلامي المتميز هشام النجار

اثنين, 10/13/2025 - 08:07

 

هل يمكن للفكر الجهادى المسلح أن يتحوّل إلى مشروع حكم قابل للاستمرار؟ وهل تمثل تجربتا طالبان فى أفغانستان وهيئة تحرير الشام فى سوريا «مرحلة جديدة» يُراد لها أن تكون الشكل المقبول غربيًا لحكم الإسلاميين بعد فشل تجربة الإخوان؟ أم أننا أمام جولة أخرى فى لعبة الأمم، تُعاد فيها صياغة خرائط النفوذ تحت لافتة «الاستقرار ومحاربة التطرف»؟.

بعد عقدين من الحرب، عادت طالبان إلى الحكم، فيما تتصدر هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع (الجولانى سابقًا) المشهد فى سوريا، فى مشهد يعكس تحوّلا عميقا فى بنية القوى الحاكمة وخريطة التحالفات.

فى الحالتين، نرى انتقالًا من «العمل الجهادى» –وهو مصطلح شائع بحاجة لتفكيك وضبط- إلى «إدارة الدولة»؛ فطالبان التى خاضت حربًا ضروسًا ضد الغرب والولايات المتحدة تتحدث اليوم بلغة البراجماتية والانفتاح، وتجرى اتصالات دبلوماسية مع نحو ثمانين دولة، أبرزها الصين وتركيا وإيران. وفى المقابل، يسعى «الجهاديون» فى سوريا لتقديم أنفسهم كقوة وطنية تحارب الفوضى، بعد أن كانت مصنّفة إرهابية.

تتجلى هنا ظاهرة «البراجماتى الجهادي» الذى يتحدث لغة المصالح لا التمكين العقائدي؛ فالجولانى يرتدى البدلة الغربية ويستقبل الوفود، وطالبان تفاوض بكين وطهران على مشاريع اقتصادية، لكنها فى الداخل تفرض نظامًا محافظًا متشددًا على الحريات والنساء. يبدو أن الغرب، بعد إخفاقه فى صناعة نموذج «الإسلام الديمقراطي» عبر الإخوان، اختار سياسة «الاحتواء بالتعامل»؛ لا يمنح الشرعية لتلك، مُفضلًا الاعتراف والتعايش مع تلك الكيانات لتجنب الحروب، فى مقاربة تثير تساؤلات حول وجود صفقة غير معلنة تتيح لجماعات تكفيرية حكم مناطق مضطربة مقابل كبح أى حراك شعبى يهدد المصالح الغربية كما يمنع الإرهاب العالمى العابر للحدود، وهو ما قد ينتج نموذجًا استبداديًا يرتدى عباءة الدين ويزرع بذور انفجارات مقبلة.

تبدو طالبان أكثر تماسكًا من نظيرتها السورية بفضل بيئتها القبلية المُوحدة ومواردها المستقرة وعلاقاتها المتوازنة مع الجيران، أما تجربة الشرع فى سوريا فهشّة بفعل الانقسام الطائفى والتشابك الإقليمى بين تركيا وقطر من جهة، وإيران وروسيا من جهة أخرى، فضلًا عن آثار الحرب التى أضعفت البنية الوطنية، ما يجعل أى «نظام جهادى» مؤقتا بطبيعته. لكن المأزق الأعمق يظل فكريًا: فالنظامان يصطدمان بحدود أيديولوجيا جامدة لا تسمح بالتحول إلى دولة حديثة. فهما يضبطان الأمن لكنهما يعجزان عن بناء عقد اجتماعى جديد يقوم على المواطنة والمشاركة والمساءلة، إذ تظل شرعيتهما مستمدة من «البيعة والطاعة» لا من الإرادة الشعبية، القرار الذى اتخذه نظام أحمد الشرع فى سوريا بوقف الاحتفال بذكرى انتصار أكتوبر وعيد الشهداء لا يبدو مجرد إجراء إدارى أو رمزى، بل يعكس تحولًا فى الهوية والانتماء، وانفصالًا متعمدًا عن الخط الوطنى العروبى الذى شكّل لعقود جوهر الوجدان السورى والعربى.

وهنا يتأكد أن «النظام الجهادي» فى سوريا يسير نحو تفكيك الروح الوطنية واستبدالها بـ«هوية أممية» تخدم استمرار سلطته لا بقاء الدولة، مما يجعل مستقبل هذا الكيان محكومًا بعزلة داخلية وانفصام عن محيطه العربى.

نبّهتُ إلى هذا المسار منذ وقت مبكر، فى كتابى جحيم الإرهاب المحلى، حيث توقّع انتقال الجماعات الجهادية من المواجهة إلى الحكم إذا لاقت قبولا دوليُا، وحذرتُ من «تطبيع تكتيكي» يولّد كيانات هجينة لا هى دول مدنية ولا مشاريع إسلامية رشيدة.

قد تنجح طالبان والشرع فى البقاء مؤقتا، لكنهما يواجهان أزمات شرعية داخلية، واقتصادية خانقة، وأزمة هوية بين خطاب مثالى وممارسة سلطوية، والأخطر أن استمرار هذا النموذج يكرّس صورة مشوّهة عن الإسلام، ويمنح القوى الكبرى مبررًا للتدخل، ويجهض أى مشروع نهضوى حقيقى ينبع من الداخل.

لمزيد من مقالات هشام النجار