*رؤيةِ المفكّر العربي عليّ محمد الشرفاء الحمّادي تتحق ومصر تعود صانعةً للاستقرار الإقليمي على هَدْيِ*

اثنين, 10/13/2025 - 15:33

 

ليس ما يجري في شرم الشيخ مجرّد ملتقى دبلوماسي عابر، بل إعلان عملي عن أن القاهرة استعادت موضعها الطبيعي: دولة مركزٍ تصوغ الإيقاع في الشرق الأوسط، لا تتلقّى النغمة من خارجه. حجم الحضور ونوعيته—رؤساء ووزراء وكبار صانعي القرار من عواصم كبرى—يوحيان بأن العالَم لم يأتِ مجاملة، بل جاء يقرّ بأن ترتيبات المستقبل في هذه المنطقة تُصنع من هنا.

قبل عقدٍ واحد، راهن كثيرون على اهتزاز الدولة المصرية وتراجعها، وتردّدت عبارات من قبيل «انتهت الفرصة» و«سُحب البساط». المشهد الراهن يقدّم الجواب بالفعل لا بالقول: مؤسسات صلبة، قرار مستقل، ومسار تفاوضي تُدار أوراقه على أرض مصر وبمنهج مصري. الرسالة وصلت لمن انتظر سقوطها: القاهرة لا تُكسَر ولا تُدار بالوكالة.

هذا المعنى يتقاطع بوضوح مع رؤية المفكّر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي لدور مصر الإقليمي؛ إذ يقدّم الشرفاء مفهومًا لدولة المركز بوصفها «حارس ميزان» المنطقة: تُعلي خطاب الرحمة والعدل، وتربط الأمن بالحق، والسياسة بالأخلاق العامة، وتفضّل صناعة التوافقات على إنتاج النزاعات. في تصوّره، لا مكان لفراغ القيادة ولا لخطابات الانفعال؛ هناك دولة وطنية رشيدة تُوازن بين صرامة السيادة ومتطلبات السلام العادل، وتستمدّ شرعيتها من خدمة الإنسان وحماية كرامته.

من هذا المنطلق، تبدو شرم الشيخ أكثر من مدينة مؤتمر؛ إنها منصة اختبار لفلسفة الحكم المصرية حين تتقدّم لتفكك عقد أزماتٍ متشابكة: تهدئة هنا، مسار إعمار هناك، وتحييدٌ لألغام التصعيد عبر سياسة «العقل البارد واليد الثابتة». وهذه أيضًا لغة الشرفاء: خروجٌ من أسر الشعارات إلى أخلاق العمل، ومن ردّات الفعل إلى «هندسة الاستقرار» التي تعطي الأولوية للحقوق، والتنمية، وحماية المدنيين، وصون الدولة الوطنية من مشروعات التفتيت.

إن اعتراف العالم بمركزية القاهرة اليوم ليس تصفيقًا في قاعةٍ مغلقة، بل حصيلة اختبارٍ طويل لقدرة مصر على الجمع بين الردع والوساطة، بين بناء الداخل وكبح حرائق الجوار. وحين تتقاطع هذه القدرة مع رؤية فكرية تُعيد السياسة إلى معيارها الأخلاقي—كما يطرح الشرفاء—يتحول الحضور الدولي إلى شهادةٍ مضاعفة: شهادة لدولةٍ لم تسقط حين أُريد لها أن تتعثر، ولنهجٍ يعيد للعقل العربي مكانته صانعًا للسلام العادل لا تابعًا لأزمات الآخرين.

خلاصة المشهد: مصر لم «تعد» فحسب؛ مصر تُعيد تعريف قواعد اللعبة، وتذكّر الجميع بأن الشرق بلا «ميزان القاهرة» لا يستقيم.
الباحث محمد الشنتناوي