
في زمنٍ تتسارع فيه التحولات وتتشابك فيه الأزمات، يبرز صوت المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي كأحد أبرز الأصوات التي تدعو إلى وقفة مع الذات، وإلى مراجعة عميقة للمنظومة الفكرية التي تحكم العقل العربي. ليس بوصفه ناقدًا غاضبًا أو مصلحًا عابرًا، بل كمشروع وعي متكامل يرى أن خلاص الأمة لا يُصنع من الخارج، بل يُبنى من داخلها، من صميم وعيها، ومن قدرتها على إصلاح نفسها قبل مطالبة الآخرين بإصلاح العالم من حولها.
القضية المركزية في فكر علي محمد الشرفاء الحمادي يمكن تلخيصها في جملة واحدة: أن تبدأ الأمة من نفسها، فتفهم نفسها، وتحرر فكرها، لتستحق مكانها بين الأمم.
القضية المركزية في فكر الشرفاء ليست قضية واحدة بالمعنى السياسي أو الديني الضيق، بل هي قضية الوعي العربي الشامل؛ الوعي الذي غاب تحت ركام الخطاب الديني البالي، والنظم المترهلة، والولاءات المتنازعة، والانهزام النفسي أمام الآخر. يرى الشرفاء أن الأمة التي فقدت قدرتها على الفهم فقدت بالضرورة قدرتها على التحرر، وأن تحرير الفكر هو أولى مراحل تحرير الأرض. ومن هنا يتعامل مع الفكر الديني لا بوصفه منطقة محظورة، بل بوصفه المجال الأول للإصلاح، لأن الدين حين يتحول إلى طقوس جامدة بلا فهم يصبح عبئًا على المجتمع بدلاً من أن يكون محركًا له.
ينطلق الشرفاء من قناعة راسخة بأن معركة الأمة الحقيقية ليست فقط ضد العدو الخارجي، بل ضد المفاهيم الموروثة التي كبّلت العقول وأوقفت مسار التطور. فكل مشروع نهضوي – في رأيه – يبدأ من الإنسان، وكل إصلاح حقيقي يبدأ من اللغة التي يخاطب بها الإنسان نفسه. ومن هنا جاءت دعوته المتكررة لتجديد الخطاب الديني بما يتسق مع مقاصد الإسلام الرحيمة، بعيدًا عن التفسير السياسي أو المذهبي الذي فرّق الأمة ومزّق وعيها.
لكن فكر الشرفاء لا يقف عند حدود النقد، بل يتجاوزها إلى تأسيس رؤية مؤسسية للنهضة العربية. فهو يدعو إلى إنشاء كيانات عربية قادرة على الفعل والتأثير، مثل “المجلس القومي العربي للأمن والتنمية” الذي يرى أنه ضرورة لتوحيد القرار العربي في مواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية والفكرية. فالوحدة في نظره ليست شعارًا عاطفيًا، بل آلية بقاء، والاختلاف لا يُحلّ بالشعارات بل بالمؤسسات التي تحوّل الإرادة الجماعية إلى واقع.
وإذا كانت فلسطين هي الجرح المفتوح في جسد الأمة، فإن الشرفاء يراها مرآةً تكشف عمق الأزمة العربية. فالقضية الفلسطينية، في فكره، ليست مجرد صراع حدود أو أرض محتلة، بل اختبار لمدى قدرة الأمة على تجاوز انقساماتها وبناء ذاتها من الداخل. إن من لا يملك وعيًا عربيًا حرًا لا يستطيع أن يدافع عن حرية شعب آخر. لذلك فإن مشروعه الفكري لقيام دولة فلسطينية موحدة لا ينفصل عن مشروعه الأشمل لبناء الإنسان العربي المتحرر من التبعية الفكرية والسياسية.
وفي الوقت الذي تغرق فيه المنطقة في دوامة الشعارات والانقسامات، يقدّم الشرفاء خطابًا مختلفًا يقوم على إحياء الضمير الجمعي العربي، وتغذية روح المسؤولية المشتركة، لا عبر الخطابة الحماسية، بل عبر مشروع فكري عملي. إنه يؤمن أن الإصلاح لا يُفرض من الأعلى، بل يُزرع في الوعي الشعبي، وأن النهضة تبدأ من المدرسة والمسجد والمنزل، قبل أن تصل إلى مقعد السلطة أو قاعة المؤتمرات.
فكر علي محمد الشرفاء الحمادي يذكّرنا أن العرب لا يحتاجون إلى معجزات بقدر ما يحتاجون إلى مصارحة. وأن أزمتهم ليست في ضعف الموارد، بل في غياب الإرادة، وأنهم ما لم يستعيدوا ثقتهم بأنفسهم، فلن يستعيدوا مكانتهم في التاريخ. فالقضية المركزية في فكره ليست شعارًا يُرفع، بل مشروعًا يُبنى: مشروع التحرر من الجهل، والانطلاق من الذات، وإعادة تعريف الهوية العربية على أسس من الفهم والعقل والمسؤولية.
ولذلك يمكن القول إن علي محمد الشرفاء لا يكتب ليُرضي جمهورًا، بل ليوقظ أمة. فمشروعه ليس تنظيرًا فكريًا بقدر ما هو محاولة لإنعاش الروح العربية التي أنهكها التناحر والتبعية. في فكره تتحول فلسطين من جغرافيا الصراع إلى رمز لإمكانات النهوض، ويتحوّل تجديد الخطاب الديني من شعار إلى وسيلة لبناء الإنسان، ويتحوّل الوعي الجمعي إلى سلاحٍ للمستقبل.
إنه فكر لا يبحث عن مجدٍ شخصي، بل عن بعثٍ حضاري، يرى في الأمة العربية كيانًا واحدًا يجب أن يُعاد بناؤه بالعقل والإيمان والعمل. ومن هنا، فإن القضية المركزية في فكر علي محمد الشرفاء الحمادي يمكن تلخيصها في جملة واحدة: أن تبدأ الأمة من نفسها، فتفهم نفسها، وتحرر فكرها، لتستحق مكانها بين الأمم.