
معالي الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي/ كاتب ومفكر إسلامي ، مدير ديوان سابق للرئيس الاماراتي الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان
تمتلك مصر قوة ناعمة هائلة تمكّنها من الانفتاح على جميع دول العالم، بما تملكه من تراكم خبرات علمية وثقافية وتاريخية.
هذه القوة قادرة على تغيير الكثير من المفاهيم في أوروبا وأمريكا على وجه الخصوص، بما يساهم في تحييد عدو مصر والعرب والمسلمين، وتشجيع الغرب على فهم الخداع الكبير الذي مارسه الإسرائيليون قبل الحربين العالميتين الأولى والثانية، واللتين انتهتا بنتائج تصب في مصلحة اليهود الاستعمارية والانتقامية.
ولم تسلم أوروبا من سيطرتهم على مراكز القرار في السياسة والاقتصاد والإعلام ومحاربة الأديان، حتى تحوّل الناس جميعًا إلى قطعان تقودها قوى شريرة كانت منبوذة في المجتمع الأوروبي، وممنوعة حتى من دخول المطاعم في الدول العربية، حيث كانت تُرفع لافتات مكتوب عليها:
“ممنوع دخول الكلاب واليهود”.
وما أكثر الكتب التي تناولت جرائمهم واستغلالهم واحتكارهم لمفاصل القوة في المجتمعات الأوروبية، مما كوّن لديهم عقدة نقص خطيرة.
لقد وضعوا خططًا مدروسة وحدّدوا أهدافهم بدقة، حتى أصبحت لديهم استراتيجية إجرامية واضحة لاختراق المجتمعات الأوروبية والتحكّم في مصير البشرية.
مشروع السيطرة والاستعلاء
نجحوا في تحديد الأهداف الاستراتيجية، ووضعوا لها خططًا تنفيذية، وأسسوا مراكز تدريب وتعليم خاصة بهم، ليزرعوا في عقول أبنائهم الغدر والعدوان.
وأقنع قادتهم أبناءهم بأنهم يجب أن يكونوا سادة العالم، مستندين إلى تحريف التوراة والكتب التي ألّفوها لتشكيل عقول الأطفال والشباب على فكرة أنهم شعب الله المختار، وزرعوا فيهم حب الانتقام ووعد الرب في فلسطين.
نجحوا لأنهم يعرفون ما يريدون، ولأنهم أقنعوا مواطنيهم بأن غضبهم هو غضب الله، وأن البشر خُلقوا عبيدًا لخدمتهم، فامتلأت نفوسهم بالحقد والغدر والاستعلاء.
لكن القواعد الإلهية التي تنهى عن التكبر والاستعلاء لها موقف آخر، وتعلّم الناس رد الفعل العادل تجاه المحتكر والمتغطرس.
بداية السقوط.. وعد الله الحق
ما يحدث اليوم هو العلو الثاني الذي أنبأ عنه الله سبحانه في كتابه الكريم، إذ سيبعث عبادًا له ينتقمون منهم بعدما ظلموا واسترقّوا الشعوب ونهبوا الثروات.
وقد بدأت مؤشرات الوعد الإلهي بالانتقام، وكان أبرزها ما حدث في اجتماع الأمم المتحدة بانسحاب عشرات الدول أثناء كلمة “نتنياهو” رئيس حكومة إسرائيل، في مشهدٍ يُعدّ إشارة رمزية لبداية السقوط.
مصر.. حاملة لواء التنوير
أما العرب فما زالوا متفرقين بلا هدفٍ واحد أو استراتيجية موحّدة تجمع القدرات البشرية والاقتصادية والعسكرية في حماية أوطانهم، ومن ضمنها — وأهمها — القوة الناعمة.
وتُعد مصر الأكثر قدرة وإمكانًا لتحمّل مسؤولية الأمن القومي العربي، من خلال تعريف الغرب وأمريكا بحقائق الدور الإسرائيلي المضر بالغرب قبل العرب.
لكن، للأسف، لا توجد خطة متكاملة في مصر تتولى هذا الدور الحيوي، ولا هدف محدد ولا لجنة عليا عربية تُعنى بهذا الملف الخطير.
مقترح عملي: لجنة القوى الناعمة للوطن العربي
يقترح الكاتب إنشاء “لجنة القوى الناعمة للوطن العربي”، يكون مقرّها القاهرة، وتُموَّل بمبلغ مليار دولار في مرحلتها الأولى، تُوزّع على الدول العربية كافة.
تضم اللجنة كفاءات فكرية وإعلامية ودبلوماسية عليا تتولى مخاطبة الرأي العام والساسة في الغرب، عبر ندوات ومؤتمرات وأبحاث موثقة تكشف حقائق الجرائم الصهيونية في أوروبا، وتعيد تصحيح المفاهيم المغلوطة عن العرب والمسلمين.
نداء أخير إلى الأمة
لقد بُحّت الأصوات وتراجعت النداءات وضاعت الآمال، لأن العرب لم يتفقوا بعد على هدف واحد.
وإذا لم تتوحّد الجهود في إطار مشروع تنويري شامل، فسيظل العرب يُوجّهون بنادقهم إلى صدور إخوتهم، في خدمة أعدائهم الحقيقيين.
فمتى تفيق الأمة؟
ومتى تدرك أن صناعة الوعي تبدأ من مصر؟




