الإسلام الحقيقي بين التمسك بالمبادئ ومرونة الزمان والمكان / الاستاذ والاعلامي مجدي طنطاوي

أربعاء, 11/26/2025 - 21:24

 

الإسلام دين عظيم منهج حياة كامل صراط مستقيم لا تشوبه شائبة ولا يتغير بتغير الزمان أو المكان هو رسالة من الله تعالى للبشرية جمعاء رسالة لا يمكن أن تكون خاضعة لاختلافات البشر أو متأثرة بمزاجاتهم ومع ذلك نجد أنفسنا اليوم في حالة من التناقض والتشويش حيث يتعرض هذا الدين الحنيف للكثير من التأويلات والتفسيرات الخاطئة التي قد تبتعد به عن جوهره الحقيقي.

من المؤسف أن نجد بعض الناس اليوم يحاولون أن يضعوا الإسلام في قالب محدد وكأنهم يصرون على أن يكون الإسلام على صورة معينة تعكس العصر الذي يعيشون فيه أو المتغيرات الاجتماعية التي تمر بها المجتمعات هناك من يدعون إلى إسلام "حديث" يزعمون أنه يتناسب مع متطلبات الحياة المعاصرة ويواكب التطورات المتسارعة في مجالات التكنولوجيا والمجتمع والسياسة لكن الحقيقة أن الإسلام لا يحتاج إلى أن "يواكب" الزمن بل الزمن هو الذي يجب أن يواكب الإسلام.

الأسف الشديد أن هؤلاء الناس في سعيهم لإظهار إسلام "معتدل" أو "مواكب" للعصر قد يتغاضون عن جوهر الدين ويبتعدون عن المبادئ التي لا تتغير بتغير الأشخاص أو المجتمعات الإسلام هو دين الرحمة والعدل والإحسان وليس دينًا يتلاعب به البشر وفقًا لأهوائهم لا يمكن لأي فرد أو جماعة أن تأخذ من هذا الدين ما يناسبها فقط وتترك ما لا يتماشى مع رغباتها إذا كان الإسلام يمثل شريعة الله فهو ليس دينًا يحدد بناءً على حاجات بشرية وقتية أو متغيرات سياسية واجتماعية.

اليوم قد نواجه إسلامًا مشوهًا حيث تم خلط المفاهيم وتحوير المبادئ تحت مسميات "الإسلام المعتدل" أو "الإسلام الوظيفي" أو غيرها من المصطلحات التي لا تمت بصلة إلى جوهر الدين هؤلاء الذين يروجون لهذا النوع من الإسلام ينسون أن الإسلام ليس مجرد أيديولوجيا قابلة للتغيير أو التعديل وفقًا للظروف بل هو منهج رباني ثابت لا يمكن أن يتغير ولا يزول هو دين الرحمة الذي لم يكن في يوم من الأيام يشجع على العنف أو التكفير بل كان دائمًا يدعو للسلام والتسامح والعدل.

في الوقت نفسه لا يعني تمسكنا بمبادئ الإسلام الثابتة أننا نرفض التقدم أو العلم أو التطور إن الإسلام بما يتضمنه من مبادئ وقيم إنسانية عظيمة هو أكثر قدرة على التكيف مع كل عصر وكل مكان ولكن هذا التكيف لا يعني التغيير في المبادئ الأساسية التي جاء بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم وإنما يعني تطبيق تلك المبادئ بطرق تناسب الواقع المعاصر فلا يمكن أن يكون إسلام الأمس غير إسلام اليوم لأن الإسلام هو الإسلام لا يتغير بتغير الأشخاص أو الحقب الزمنية.

إن المشكلة لا تكمن في تعدد الآراء أو الاجتهادات بل في التفريط أو الإفراط في تفسير الدين بما يخدم أهواء البشر الإسلام الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن محصورًا في زمان أو مكان معين بل هو دين للأمة جمعاء وللزمان كله من هنا فإن أي محاولة لتقديم الإسلام بشكل مغاير للمفاهيم التي جاء بها القرآن الكريم وبلغها وبينها رسوله الأمين ما هي إلا تشويه لصورة هذا الدين العظيم

نعم يجب أن نرفض كل محاولات تحريف الدين أو تغييره أو تكييفه بما يتناسب مع أهواء بعض الناس ولكننا في نفس الوقت يجب أن نعلم أن الإسلام هو دين شامل يظل ثابتًا على مبادئه وفي ذات الوقت يتسع لكل شخص وكل مجتمع يريد أن يلتزم بقيمه السامية إذا كان الإسلام يدعو إلى العدل والمساواة والإحسان فإنه لا يتغير بتغير الأزمان بل هو ثابت كالجبل الراسخ يحمي البشرية من الانحرافات ويقيها من ضلالات الطريق.

الإسلام هو دين القيم والرحمة وليس دينًا للسلطة أو السيطرة هو دين للإنسانية لا لأيديولوجيات ضيقة وبالرغم من أن التحديات قد تكون كبيرة في هذا الزمن الذي يمر بتغيرات جذرية إلا أن الإسلام سيظل في جوهره كما هو منبعًا للطهر والعدل والمساواة وإذا كنا نريد أن نعيش إسلامنا الحقيقي يجب أن نتمسك بالمبادئ الثابتة التي أنزلها الله تعالى دون أن نسمح لأحد أن يعبث بها أو يشوهها أو يغير من معانيها السامية.

لذلك فإن الإسلام الذي يجب أن نعيش به اليوم هو إسلام الرحمة والعدل إسلام التعاون والإحسان إسلام يغني عن الحاجة إلى تسويغ التطرف أو تحريف المبادئ هذا هو الإسلام الذي نزل من عند الله وهذا هو الإسلام الذي يجب أن يبقى إلى يوم الدين وفي كل زمان ومكان.