
في الثامن والعشرين من نوفمبر، فرصة ثمينة ولحظة تاريخية فارقة لذا فإننا لا نحتفل بها بوصفها حدثا تاريخيا فحسب، بل إننا نحتفل بها باعتبارها ولادة معنى، وانبعاث روح، وارتقاء شعب اختار أن يكتب اسمه بمداد الإرادة والصبر. إنّ الاستقلال في ربوع وطننا الغالي ليس تاريخا على ورق، ولا مناسبة احتفالية روتينية بل هو لحظة متواصلة تعيش في الوجدان، تتنفس مع الأجيال، وتكبر مع كل خفقة قلب لهذه الأرض الممتدة بين زرقة الأطلسي وصفرة الصحراء.
في هذا اليوم المجيد، تتجدد في النفوس تلك الشعلة الأولى التي أضاءت درب الحرية، ويستعيد الشعب إحساسه العميق بالانتماء، ذلك الانتماء الذي يرفع الإنسان فوق تفاصيل الحياة، ليجعله جزءا من قصة تفوق في الحجم والدلالة والعمق ..إنها قصة وطنٍ قاوم، وصمد، وكتب مصيره بيده.
إنّ الاستقلال هنا ليس احتفالا رسميا فقط؛ إنه لحظة صفاء روحي، يعود فيها الموريتاني إلى ذاته، فيرى في هذا الوطن مرآته، وظله، وصوته الداخلي. يرى فيه تاريخ الأجداد، وصبر الأمهات، وخطى الرجال الذين زرعوا في هذه الأرض معنى الكرامة. ولذلك، يتحول عيد الاستقلال إلى حالة من السمو الجمعي، تتعالى فيها القلوب فوق كل اختلاف، وتتحد في إيقاع واحد، إيقاع وطن أراده الجميع أن يبقى حرا ونقيا كما خلقه الله.
ومهما تغيرت الأزمنة، يبقى هذا اليوم فرصة للتأمل في المسار، وفرصة للوفاء لتلك اللحظة التي منح فيها الشعب مستقبلا لأبنائه. ففي كل سنة، يعود الوطن ليقول لأبنائه: لقد حفظتُكم… فاحفظوني.
إنها ذكرى تصنع في النفوس ذلك الشعور النبيل بأننا ننتمي إلى شيء أكبر منا، إلى وطن يستحق أن نحتفي به، وأن نحلم معه، وأن نحمل رسالته نحو أفق أكثر إشراقا.
وهكذا، يظل الثامن والعشرون من نوفمبر يوما لا يكتب فقط في التاريخ، بل يكتب في القلب… حيث يلتقي الفخر بالإيمان، وتلتقي الذاكرة بالرجاء، ويولد الوطن من جديد، كل عام.
وتأخذ الفرحة معنا أكثر عمقا ودلالة حين نحتفل بهذه الذكرى ونحن نرى وطننا يتقدم ويزدهر تحت قيادة متبصرة لها من الحكمة والحنكة والرزانة ما يجعلها تفتح الأمل لمستقبل أكثر اشراقا.




