تأخرت المعارضة كثيرا في التحضير الفعلي للانتخابات الرئاسية القادمة، فهي لم تتمكن حتى الآن من تسمية مرشحها، هذا فضلا عن كونها لم تنظم خلال الفترة الأخيرة أي نشاط جماهيري ضاغط للمطالبة بإعادة تشكيل اللجنة المستقلة للانتخابات، والتي لم يكن تمثيل المعارضة فيها مقنعا، وقد ازداد الأمر سوءا بعد ذوبان حزب الوئام في الحزب الحاكم وهو الحزب الذي كان يرفع زورا وبهتانا شعار المعارضة، وكذلك بعد انكشاف حزب التحالف الديمقراطي وظهوره على حقيقته، فهذا الحزب الذي لم يتخذ موقفا معارضا يحسب له منذ الإعلان عن ميلاده، قد فضحه مؤخرا موقفه الداعم للاعتداء على الدستور وعلى مواده المحصنة. الراجح أن المعارضة إن شاركت في الانتخابات الرئاسية القادمة من قبل أن تتم إعادة تشكيل اللجنة المستقلة للانتخابات، ومن قبل توفير الحد الأدنى من الشفافية وحياد الإدارة، وفي ظل تأخرها الكبير في التحضير للانتخابات الرئاسية، الراجح أنها إن شاركت في الانتخابات الرئاسية القادمة في وضعية كهذه، فإن مرشحها لن يحصد أكثر من 10% من الأصوات. وإذا ما ظلت الأمور تسير على مستوى التحضير بهذا البطء، وإذا ما بقت لجنة الانتخابات على حالها، فإن المعارضة ستجد نفسها بعد الانتخابات الرئاسية القادمة قد ارتبكت حماقتين كبيرتين: الأولى: أنها ستشرع فوز مرشح النظام في انتخابات غير شفافة، ولن يكون بمقدورها التشكيك في شرعية الرئيس القادم بعد مشاركتها في تلك الانتخابات. الثانية : ستُظهِر عدم شعبيتها ـ عكسا لما هو واقع ـ وذلك لأن مرشحها التوافقي أو الرئيسي لن يحصل في ظل غياب الشفافية إلا على نسبة قليلة جدا من أصوات الناخبين. إن مشاركة المعارضة في الانتخابات الرئاسية القادمة من قبل إعادة تشكيل لجنة الانتخابات، ومن قبل تهيئة الحد الأدنى من شروط الشفافية وحياد الإدارة، ستكون بمثابة عملية انتحار، ولقد كانت دعوة الرئيس أحمد داداه لحوار من أجل تهيئة الظروف لانتخابات توافقية، هي دعوة في محلها، وستخسر المعارضة بمختلف مكوناتها إن لم تقف صفا واحدا مع الرئيس أحمد داداه في دعوته هذه، فإن تمت الاستجابة لهذه الدعوة فعلى المعارضة حينها أن تشارك وبقوة في الانتخابات، وأن تبارك للفائز في حالة خسارتها، وإن لم تتم الاستجابة لهذه الدعوة، فستكون مقاطعة الانتخابات هي الخيار الأفضل للمعارضة، فالمقاطعة ستمكن ـ على الأقل ـ من التشكيك في شرعية الرئيس القادم، كما أنها ستجنب المعارضة من الظهور بشعبية قليلة، على عكس حقيقتها. إن توفير الحد الأدنى من الشفافية سيكون في مصلحة الطرفين (النظام والمعارضة)، وهو سيكون في نهاية المطاف في مصلحة المرشح الفائز، وذلك لأنه سيمنح له شرعية لا يمكن الطعن فيها، وإذا ما تمكن مرشح النظام من الفوز في انتخابات تتمتع بالحد الأدنى من المصداقية، فسيكون من واجب المعارضة ـ أخلاقيا وسياسيا ـ أن تبارك له الفوز، وسيكون من واجبها ـ وطنيا ـ أن تعيد النظر في تموقعها، وأن تمد له يد العون، إذا ما قرر هو أن يبدأ صفحة جديدة، وأن ينفتح على الجميع وبما يخدم المصلحة العليا للوطن.