من كمال أدب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكريم سجاياه انه لما وفدت عليه وفود العرب في العام التاسع للهجرة كان يرحب بكل قوم يفدون عليه ويكرمهم ويجيزهم وينزل كل ذي منزلة منهم منزلته ولا يؤنب احدا منهم على ما سلف منه وتارة يثني على الجمع منهم كما هو الحال في وفد عبد القيس الذين قال لهم (مرحبا بالقوم او بالوفد غير خزايا ولا ندامى) وكما هو الحال في وفد الاشعريين واهل اليمن الذين قال فيهم (جاءكم اهل اليمن فانهم ارق افئدة وألين قلوبا ،الايمان يمان والحكمة يمانية...) وكما هو الحال في وفد الأزد بعد الحوار الطويل الذي جرى بينهم وبينه ،حيث قال لهم : (حكماء علماء كادوا من فقههم ان يكونوا أنبياء) ومثلهم بنو تميم لما وفدوا ،وأراد احد الحاضرين ان يتكلم فيهم بكلام ،فرحب صلى الله عليه وسلم بهم وبشرهم ،وقال :(انهم عظام الهام ثبت الأقدام أنصار الحق في آخر الزمان) وتارة يثني صلى الله عليه وسلم على جميع الوفد ،ويخص بعض آحاده بثناء خاص ،كما هو الحال في وفد عبد القيس فإنه بعد ترحيبه بجمعهم خص منهم الاشج ،فأثنى عليه بقوله (ان فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة) وكذلك الحال في وفد طيء الذين رحب بهم ،وفيهم زيد الخيل -وكان سيدهم - فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وقال فيه (ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني الا رأيته دون ما يقال فيه ،الا زيد الخيل ..) وسماه (زيد الخير) ،وأجلس عدي بن حاتم الطائي على وسادة كانت عنده، وجلس صلى الله عليه وسلم على الأرض اكراما لأبيه. ولما وفد بنو حنيفة رحب بهم وأجازهم ،وذكروا له أنهم خلفوا رجلا منهم في رحالهم يحفظها لهم (وهو مسليمة الكذاب) فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما امر لهم به ،وقال (اما انه ليس بشركم مكانا) أي لحفظه ضيعة أصحابه ،ولذلك لما ارتد عدو الله وادعى النبوة ،قال لقومه ،ألم يقل لكم محمد حين ذكرتموني ( انه ليس بشركم مكانا). ولما جاء فروة بن مسيك في وفد قومه (مراد) قال له عليه الصلاة والسلام ملاطفا له: (هل ساءك ما اصاب قومك يوم الردم ؟). يشير الى ما وقع بين همدان ومراد في الجاهلية في يوم سمي يوم الردم ،فقال فرووة : من ذا يصيب قومه مثل ما اصاب قومي يوم الردم ولا يسوءه ذلك ؟فقال له عليه الصلاة والسلام :(أما ان ذلك لم يزد قومك في الإسلام الا خيرا ) . ومن كمال أدبه وغظيم خلقه صلى الله عليه وسلم كذلك انه لم يقبل ان يتكلم أحد ممن معه في اي وفد من الوفود ،ولا أن يؤنب أحد منهم بما سلف منه في الجاهلية قبل إسلامه وقدومه ،ولذلك لما قدم وفد بني ثعلبة ،وسيدهم طارق بن عبد الله ،ونزلوا المدينة ،اذ أقبل رجل من الأنصار ،وفي رواية من بني يربوع ،فقال يارسول الله :لنا في هؤلاء القوم دماء في الجاهلية ،فقال صلى الله عليه وسلم (ان أما لا تجني على ولد ،قالها ثلاثا) .ولما قدم وفد نصارى نجران رحب بهم ،واستقبلهم في مسجده صلى الله عليه وسلم ،وعند ما حان وقت صلاتهم ،قاموا يصلون في المسجد مستقبلين المشرق ،فأراد بعض الناس منعهم ،فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوهم) . هذا هو الهدي المحمدي في معاملة من وفد عليه صلى الله عليه وسلم من الوفود ،ولنا في رسول الله اسوة حسنة. -----' من صفحة الاستاذ سيدي يحي عبد الوهاب على الفيس بوك