أتدرون ما الحكايات الكبرى؟..هي الأيديولوجيات والتيارات اليمينية و اليسارية، والدينية.. والقومية..فلم يعد يجدي الجدل المتصاعد، أيامنا هذه، في ظروفنا الحالية، حول تيار بعينه أنه تفكك وتساقطت رموزه كما يتساقط ورق التوت، وتداعت على مرشح الوسطية كما يتداعى الأكلة على القصعة .. لا أحد اليوم يصغي لتلك الحكايات ولم تعد تطرب الأطفال أو تشحذ همم الشباب..ارتطمت بصخرة الواقع وانتهت صلاحيتها..وقد بينت الأحداث منذ ما سمي بالربيع العربي وما يجري ويتطور من أحداث وصراعات على المستوى العالم العربي أو المناخ و التقلبات الدولية أن تلك الحكايات قد استنفدت طاقاتها وخسرت مشاريعها، وهمية او حقيقية كانت، ولم تعد قادرة على فرض سيطرتها على المعترك السياسي.. إن الذين لا يزالون متمسكين بالتيارات تلك ويحكون حكايتها يعيشون على أوهام ويقبضون طواحين هوائية كطواحين دون كيشوت ..ولكن، وبالنظر إلى حقيقتنا الاجتماعية( غياب وعي ذاتي، التخلف، الفقر، ضعف التكوين والتعليم ، هيمنة القيم التقليدية، الشرائحية.. ) والملابسات الدولية ( تراجع القيم الدولية الكبرى مثل الدفاع عن حقوق الانسان والقانون الدولي..والديمقراطية..) و وبالنظر الى ما يجري حولنا( الإرهاب والخطر الأمني..الحركات الاحتجاجية. )..لا يمكن إطلاقا الجزم بوجود الظروف الملائمة لديمقراطية تنافسية وبسبب غياب الشروط الموضوعية للديمقراطية نفسها( المواطنة المتساوية ، المشاركة العمومية، الإدارة التعددية السياسية. ).. يبقى أن خيارات أخرى متاحة ويعززها التقدم النسبي لنظامنا السياسي بالمقارنة مع أنظمة مشابهة.. إن الإرادة السياسية التي يتمتع بها نظامنا الحالي، وجهده المتواصل في مشروعه لبناء الدولة و المجتمع قاده كل ذلك إلى انفتاح كبير فعمل على توسيع مجال الحريات و الأحزاب ..وخلق ترسانة قانونية لحقوق الإنسان ونبذ الكراهية و العنصرية و أشكال التمييز و الاستغلال..وبالتالي، نعتقد أن المتاح أمام الساسة والفاعلين، اليوم، هو ما بدا وكأنه توافق ضمني تداعى له الجميع، أعني اللجوء إلى ديمقراطية توافقية تؤدي إلى إشراك جميع القوى الفاعلة في عملية صنع القرار والمشاركة الجماعية ، من أجل تفادي جميع أنواع الاصطدامات والصراعات االاجتماعية العقيمة و الفتن والمحن و المآسي.. و ما هي منا ببعيدة .. حفظ الله موريتانيا من كل مكروه.