ارتبط شهر أغسطس عند الموريتانين، منذ القدم بذروة الخريف، فهو بالنسبة لهم الشهر الاكثر رخاء في السنة، ففيه يكتمل الخريف وفيه يجتمع شمل المنمين فى مواطنهم الأصلية وذلك قبل سنوات الجفاف وتغير المناخ وهجر السواد الاعظم من الشعب الموريتاني للحياة البدوية نحو التمدن، مما جعل شهر اغسطس يصير عندهم كسائر شهور السنة ولم تعد له ميزة تميزه عنها. إلا أن شهر أغسطس عاد بقوة إلى الذاكرة الموريتانية منذ منتصف العشرية الاولى من الالفية الثالثة، حيث شكل تأريخا لأهم الاحداث التى عرفتها البلاد خلال هذه الفترة، كما ينتظر أن يحدد فاتحه 2019 بوصلة مستقبل سفينة موريتانيا لعقود من الزمن. وقد فرح الشعب الموريتاني قاطبة، خلال الاربع عشرة سنة الماضية، بحلول شهر أغسطس مرة واحدة وحزن بحلول ذكراه بعد ذلك أحد عشر مرة، على التوالي. كانت هذه الفرحة، اليتيمة، بشهر أغسطس، صبيحة يوم الثالث 2005، عند ما أطيح بنظام ولد الطايع، الذي استمر 21 سنة، وترسخت خلال فترة حكمه، ظاهرة نهب المال العام وتكريس القبلية والجهوية وتزوير الانتخابات، حيث عمت الفرحة، يوم سقوطه ربوع موريتانيا بزوال هذا النظام، واستنشق الموريتانيون نسيم الحرية، خلال الفترة الانتقالية الأولى التي شهدت انتخابات تشريعية وبلدية ورئاسية شفافة خالية من التزوير لأول مرة، تربعت بها موريتانيا على عرش الديمقراطية في العالم الثالث وظن الموريتانيون أنهم أرسوا قواعد صلبة للحكم الرشيد والتناوب السلمي على السلطة وودعوا، إلى غير رجعة، الأنظمة العسكرية الشمولية، التي حكمت البلاد ما" بين العاشر أغطس 1978 والثالث أغسطس 2005. غير أن هذه الحلم تبدد وتحول إلى كوابيس صبيحة السادس أغسطس 2008، بانقلاب محمد ولد عبد العزيز، على الرئيس المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله، ليظل ذلك اليوم المشؤوم من أغسطس يشكل ذكرى شؤم لدى الموريتانيين، ذكرى تكررت إحدى عشرة مرة، بين كل ذكرى والتي تليها، يعاني المواطن الموريتاني فى وطنه، من الظلم والتهميش والغبن والحرمان، بما لايخطر لأحد على بال، حيث صارت موريتانيا تتصدر قوائم دول العالم في الفقر والبطالة وارتفاع الضرائب والأسعار، خاصة أسعار المحروقات وثرى رئيسها ومحيطه الا جتماعي وفي الجريمة المنظمة وانعدام الأمن، بينما تتذيل هذه القوائم في مجال التعليم والصحة والحكم الرشيد ورفاهية المواطنين. فقد تصرف ولد عبد العزيز، خلال فترة حكمه فى خيرات موريتانيا، تصرف المالك في ملكه، لم يراع في العباد والبلاد إلا ولا ذمة، باع خيرات الارض والبحر وعمل على تفكيك النسيج الاجتماعي واحتقر المقدسات، فبرصاص حراسه قتل أمام قصر الرئاسة أحد المحتجين عل تمزيق المصحف الشريف، كما قرر العفو عن المسيء لرسول الله عليه الصلاة والسلام ولذلك صارت ذكرى شهر أغسطس مأساة تؤرق كل موريتاني داخل وطنه وخارجه، بدل أن كان شهر السرور والحبور باكتمال الخريف وبزوال حكم ولد الطايع. أما علاقاتي أنا شخصيا بشهر أغسطس، فلا علاقة لها بالخريف ولا بالحكم، فهي علاقة عضوية، استمرت أثنين وأربعين سنة، منها خمسة وثلاثون كانت أفراحا، بدأت من فاتحه 1976 يوم توظفت كصحفي في الوكالة الموريتانية للأنباء ومنها سبعة أتراح بدأت 2012، تاريخ فصلي التعسفي من عملي في الوكالة الموريتانية للأنباء وحرماني من جميع حقوقي، بأمر شخصي من ولد عبد العزيز. واليوم ينتظر الموريتانيون بشغف بزوغ شمس فاتح أغسطس 2019، حيث سينصب رئيس جديد منتخب لموريتانيا ورحيل آخر عنها، بدأ فترة حكمه، التى تميزت باليبس، بخيانة الامانة بانقلابه على رئيس منتخب ائتمنه على أمنه، وختمه بالعفو عن المسيء لرسول الله عليه الصلاة والسلام. يتطلع الموريتانيون جميعا وأنا من بينهم، أن يكون هذا التنصيب والرحيل، بداية لتأسيس نظام مدني رشيد يختلف تماما عن سابقه، نظام يجبر ما أفسدت إحدى عشرية الجمر وينشر العدالة والمساواة بين كافة المواطنين، ويعيد لهم فرحتهم بشهر أغسطس بصورة دائمة، كما كانوا يفرحون به قبل الجفاف وبفرحهم به 2005، وأن لا يكدر عليهم أبدا هذا الفرح جفافا ولا منقلبا على السلطة. كما يتطلعون إلى أن يكفر فاتح أغسطس 2019 عن جرائم السادس من أغسطس 2008 ويمحو كافة آثارها السياسية والاقتصادية والاجتماعية السيئة، فهل ستتحقق للموريتانيين تطلعاتهم؟ "وما ذلك على الله بعزيز". الجواب على هذا السؤال يتوقف حسب المراقبين، على الخطوات الاولى التي سيتخذها الرئيس المنتخب بعد تنصيبه فاتح أغسطس. لننتظر وأن غدا لناظره قريب.