ذلك الحرطانيُّ الأنيقُ، البشوشُ، ذو القلب الكبير والروح الشفافة حقيقٌ بالكتابةِ.. الكتابةُ عن محمد عالي تشبه الكتابةَ بالرمل على شاطئٍ هائج، تشبهُ الكتابةَ بالسكاكين على جسدٍ آدميٍّ بضٍّ.. إنها مؤلمةٌ وبسيطةٌ في الآن نفسه؛ بسيطةٌ لأنها تُؤخذ من ضفافِ القلبِ مباشرةً، ومؤلمةٌ لأنها لن تتقنَ التعبير عما وراءها من شجن. عندما التقيتُ محمد عالي للمرة الأولى سنة 2003 كنتُ خارجاً من الحرم الجامعي ممتلئاً بنفسي، أحملُ ثلاثَ شهاداتِ باكلوريا وأفكرُ في الرابعةِ، وأتابعُ محاضراتي في سنتي الجامعية الثانية أدب وترجمة، وخلفي بعض القصائد والمقالات المنشورة وبعض التصفيقات المتناثرة على مقاعد دار الشباب الجديدة؛ وقفَ أمامي محمد عالي بكل بساطته في بداية دورة تدريبية كنت تلميذا وكان مُكوِّنا.. افتتح قائلاً: تركتُ المدرسةَ مبكراً، وكل ما أعرفه تعلمته ذاتيا من الحياة! قلت في نفسي لن أن أتعلم شيئاً يذكرُ من رجل ليس متمدرساً.. فأسرَّها الزمنُ في نفسه ولم يبدِها، لكنه قدم لي مواقفَ تبيَّنَ أنني كنتُ مخطئا.. فعلى امتدادِ خمسة عشر عاماً، هي عمر صداقتنا، كنتِ في ورشة مفتوحةٍ للأخذْ والتعلمِ منه، دون توقف. جمعنا مشروعان كبيران، مشروع SOS Paires Éducateurs ومشروع دار السنمائيين.. وكان في المشروعين دينامو يعرف العمل الميداني أكثر من الجميع، وعقلا تحليليا يتقن التنظير أكثر من الجميع.. عندما نكون على أعتاب الخلق وبناء الأفكار يبدعُ، وحينما يصبحُ الوقتُ لصالح "التنيفير" يكون في المقدمة.. هل سافرت معه؟ نعم، كثيراً وكانَ رفيقَ سفرٍ لا يجودُ الطريقُ بمثله مرتين .. هو القائدُ والخدومُ معاً؛ الإنسان الذي حين تسافر معه يمكنك أن تقرأ كتاباً أو تنامَ واثقاً أن محمد عالي فكر في كل التفاصيل، ولن يترك ثغرةً، وأنه سيتولى حل كل المشكلات التي تخصك حتى قبل أن تعلم! محمد عالي رجلُ موقفٍ لا يتزحزح؛ صديقُ "اگْفَ" يعوَّلُ عليهٍ حضورا وغيابا؛ رجلٌ يعرف كيف يغفرُ ويتجاوز أخطاءَ الأصدقاء مهما كانت فداحتها؛ إنسانٌ لا يحمل في قلبه ذرةَ غلٍّ أو حقدٍ أو حسدٍ أو دناءة؛ لماذا أكتب عن محمد عالي؟! أولا لأنني أحبه وثانيا لأنني أحبه...... وثالثا لأنه الآن يصنعُ التاريخَ؛ ما يقوم به يستحق ضوءً أكثرَ، يستحق إعلاماً أكثرَ، يستحق عرفانا أكثر منا جميعا.. إنه يحفرُ في الصخر وحيداً، ويُعلي كلمة الفن والثقافة، ويرفعُ بهما ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم عاليا.. يبني صرحا من سحر كي يمتعنا جميعا! مشروعُ مهرجان المدح الذي كان مجردَ فكرةٍ طوباوية حكاها لي محمد عالي كحلمٍ شخصي رأى النور ويواصل التحليق بعيدا. مركز ترانيم للفنون الشعبية كان مشروعاً مؤجلا لم يفتأ محمد عالي يخطط له ويبوحُ لي بتفاصيل حرقته وشجونه، وها هو واقع ماثل للعيان. ألبوم أسكي كان تحديا حقيقيا أمام الرجل الذي يعرف كيف يكسر عين التحديات.... وها هو "أسكي" بين الأيدي. محمد عالي يختلف عن أغلبنا لأنه يقدم "فعلاً" حقيقياًّ ذَا أبعاد ثقافية وفنية واجتماعيه وحقوقية وتراثية... ودينية! محمد عالي أشعل المصابيحَ ولم يجلس ليلعنَ الظلام فقط! قبعتي وحبي واحترامي .
بقلم/محمد إدومو