نصاف معاوية – من شيم الأشراف
دداه محمد الأمين الهادي
منذ غادر الرئيس الأسبق معاوية ول الطايع موريتانيا، ليستقر في منفاه شبه الاختياري في قطر، لم يسمع أن أحدا حاول إنصافه، ومعاملته كرئيس سابق، قبل الرئيس الحالي – صاحب المقام العالي/ محمد ول الشيخ الغزواني، وهذا إن دل على شيء، فهو مكانة ولد الغزواني السامقة أخلاقا ودينا ومروءة وأرومة، وقديما قالوا: “الإنصاف من شيم الأشراف”.
صحيح أن معاوية توارى في قطر، ولم يظهر إلا نزرا، لكن الذاكرة الحية للشعب الموريتاني، لا تزال تحمل له الكثير من العهد، ومن الذكر الحسن، فصيته خارج السلطة لم يطمس معالم إيجابية في حقبته – العشرينية -، ففي عهده أنجز الكثير وطنيا، وعلى رأس إنجازاته هذه المصالحات الجديدة – القديمة، فلقد انتظر المؤسس – المغفور له – المختار/ داداه في حبسه، كما انتظر المشمول بعفو الله الرئيس المصطفى ول محمد السالك في السجن، ومع بزوغ نجم ول الطايع كان إطلاق سراحهما آنذاك، كما صار ينعم بالحرية من جديد رئيس وزراء الحكومة المدنية سيد أحمد ولد ابنيجاره، إضافة إلى كل المعارضين والطلاب، الذين اكتظت بهم السجون خلال الفترة التي سبقت تلك اللحظة الحالمة.
لقد كان التحرر من السجون بشارة خير، حملت للشعب أجواء من الأفراح، والبهجة، ولم تلبث أن خلدها الموريتانيون شعرا ونثرا، لتبقى شاهدة – إذا نسي الجميع – بأن معاوية الخير مر من هنا، ولم يكن صاحب ضغينة، ولا حقد، قد يتهم بالفساد، أو بالعناد، أو باللامبالاة حتى، لكنه أيضا يشتهر زمانه بالوفرة في الخيرات، وكثرة المسرات، والزيارات.
لقد قال فيه العلامة الفهامة حبر الأمة الأعظم محمد سالم ولد عدود:
معاويُ إني لست بالمتزلّف::و لست لقرض الشعر بالمتكلّف
و لكنها أعياد قومي تلاحقت::فما تقذف الأفراح في القلب يقذف
هنئيا لك العيدان فاسلم لثالث::بكانون يحيي ذكره كل منصف
ربيع و تشرين المجيد تعانقا::و قد وقفا في الصفّ أكرم موقف
ليستقبلا كانونك المشرق الذي::يطل على الآفاق إطلال مشرف
لبست من العيدين أبهج حلّة::فأبل و أخلف ثم أبل و أخلف
و جدّد من الإسلام ما كان قد عفا::و لا تن و انبذ لوم كل معنف
و سسنا بتوفيق و حلم و ضاعفن ::جهودك في ضم الشتات و كثّف
فإنك إن أخلصت الله في الذي::تحاول تنجح، ما الكريم بمخلف
وكتب متنبي موريتانيا – ناجي الإمام – خالدته “دجمبر عيد المجد” – وناجي يعهد عنه النأي بنفسه عن المدح والهجاء لكنه عبر عن أحاسيسه في لحظة الكتابة الشعرية – قائلا:
دجمبر في الآماد عيدك أسطع::و حمدك موفور و ذكرك أرفع
فعهدك تصحيح و و عدك منجز::وقولك مفعول و فعلك أنجع
بيانك تقويم و صوتك ثورة::و هديك إيمان إلى الحقّ مهيع
و امنك تأمين و أمرك نافذ::و عرضك محفوظ و ووجهك أنصع
أتيت كما الغيث المرب فأمرعت::ربانا و فعل الخير للأرض ممرع
دجنبر هل ينساك شعب عتقته::و قد كان فيه الجور يرعى و يرتع
أينسى و كان القيد و الخوف سيدي::بلاد يعض الجوع منها و يقطع
أينسى نيوب الموت تنهش جلده::أينسى يد الجلاّد تكوي و تصفع؟
أينسى عزيزا ذلّ في كل مهمه::يطارده نذل الطبائع أجدع؟
“أبا أحمد” فجّرت نبع دجنبر::فأرويت ظامي المجد و المجد مربع
“أبا أحمد” حرّرت شعبا مكبلا::فأضحى على سامي العلا يتربّع
هو الشعب ما نامت على الضيم عينه::و عمر الطواغيت الزمان مضيع
“أبا أحمد” مرحى فعش متفرّدا::على قنن التاريخ تسمو و ترفع
“أبا أحمد” شنقيط و المجد وسمها::على هامك المرفوع بالخلد يطبع
تبايع فيك الابن و القائد الذي::على يده الآمال تبنى و تصنع
أبا أحمد “شنقيط” أعطتك سرّها::و إنك للأسرار أهل و موضع
أبا أحمد فاهنأ بعيد دجنبر ::فدهرك أعياد و مدحك مطلع
لواؤك منصور و جندك غالب::و حظّك موفور و نورك أسطع
أبا أحمد فاهنأ بشعب تقوده::فإنك أنت “السيف” و القوم “تُبَّع”ّ.
ولم ينأ شاعر أصداء الصحراء عن نهج التبريك بتلك الحرية المشتهاة، فقال أحمدو ول عبد القادر – وهو شاعر مبتعد عن أجواء البلاط – قافيته الرائية بعنوان تحية دجمبر، السابحة في انحناءات بحر الطويل :
دجنبر وافى طالعا يتبختر::تغنى له الأفلاك و الكون أزهر
نشيد سلام قرت العين وقعه::أهازيج يحدوهن نصر مؤزر
دجنبر هل أهدى لك الورد و السنى::أكاليل في أردانها تتعطر؟
و كيف وأنت النور و الشمس ظاهرت::ربيعا و برداها خزامى و عنبر؟
أحبك حبي للبلاد و إنه::هو الحب لا حبا سواه فيبهر
و لست بمدّاح لقوم و إن علوا::و لكن فضل الأرض للأرض يذكر
مسحت دموعا كنّ جمرا تقرّحت::مساربه سيلا يجيش و يسعر
و جئت لتمحو كلّ قيد ملطّخ::ينوش رقابا في الدجى تتكسر
و نادت بك الأكوان و الدهر شاهد::ألا إنما الإنسان فيك المظفّر
خلقنا بهذي الأرض قوما أعزّة::و أنفسنا بالخير تبنى و تعْمر
إذا غاب عنّا الماء و الخبز لم تغب::كرامتنا فيما نقول و نبصر
و ترضعنا الصحراء روح انعتاقها::نسيما طليقا في العوالم يخطر
فكيف تربينا السلاسل أمة::سوى ما خلقنا كيف نحيا و نقهر؟!
إذا ملك الإنسان حقّ احترامه::فكلّ اعتبار بعد ذلك يصغر
دجنبر مرحى فالرؤى تلد الرؤى::مجنحة تحنو إليك و تعبر
طلعت طلوع الفجر و الليل نائم::و سرت مسار البدر يعلو و يكبر
و إنّ رجالا قرّبوك لفتية::ستذكرهم أيامنا حين نفخر
تقدّم بنا إن السبيل طويلة::إلى أن يغطى الجدب للخصب مظهر
و نرفع من أمجادنا و تراثنا ::مشاعل يدعوها الغد المتطور
فذكراك باق في القلوب مناطها::تغنى له الأفلاك و الكون أزهر
وكتب شعراء لا حصر لهم، منهم الخليل النحوي، وكابر هاشم ……….. وغيرهم.
ويؤثر عن معاوية أنه كان يدمن العفو، حتى أن السيبة المتحدث عنها في جوانب من عهده، نسبت إلى اعتياده على المسامحة والعفو، وتجاوزه عما يمكن تجاوزه إلى أقصى حد، كاد يجعل المرحلة الأخيرة من حكمه خارج نطاق المساءلة والعقاب.
ولإن حمل فرسان التغيير مشعل بواكير إنهاء الطائعية، فإنهم – وهم من سادة القوم – سرعان ما اعترفوا لمعاوية بأنه لم يكن أسوأ نظام مر ببلاد شنقيط، بل تتبعوه بحسب عبد الرحمن ول ميني، فلم يجدوه ترك بصمة على عقار، ولا تناول بيضة الوطن بملعقة.
لما سبق، ولأن شمس المصالحات الكبرى قد انطلقت، ولأن معاوية – سمي معاوية بن أبي سفيان -، فيليق به أن يجد في وطنه يدا تمتد إليه بالشهامة والكبرياء، وأن تكون تلك اليد المباركة هي يد من للعهد عنده معنى، المنتمي للدوحة الوارفة، التي قال فيها أبو بكر الصديق:
وَسَــمّــاهُــمُ الأَنــصـارَ أَنـصـارَ ديـنِهِ
وَكــانَ عَــطــاءُ اللَهِ أَعــلى وَأَكــبَــرا
وَأَثـنـى عَـلَيـهِـم صـالِحـاً فـي كِـتـابِهِ
فَــكــانَ الَّذي أَثــنــى أَجَــلَّ وَأَكــثَــرا
رَأى لَهُــمُ فَـضـلاً فَـأَعـطـاهُـمُ المُـنـى
وَكــانَ بِــمــا أَعــطــى أَطَــبَّ وَأَبـصَـرا
فَـلَمّـا أَبـانَ الخَـيـرَ فـيـهِـم أَجادَهُم
وَلَيـسَ مُـجـادٌ مِـثـلَ مَـن كـانَ مُـحـصَـرا
وَكَـــم بَـــذَلوا لِلَّهِ جَهـــدَ نُـــفــوسِهِــم
فَصاروا بِذاكَ البَـــــذلِ مِن سادَةِ الوَرى
نعم؛ إنها بشرى خير أن تتصل به، وتسأل عن أحواله، ونرجو أن تكتمل بأن يحصل كغيره من رؤسائنا الميامين على حقوقه كاملة غير منقوصة، وحينها سيغني التاريخ ملء فيه، وبحروف ذهبية تشع نورا وسناء، قول المبدع نزار:
دخلت على تاريخنــــا ذات ليلة — فرائحة التاريخ مسك وعنبر
وكنت فكانت في الحقول سنابل – وكانت عصافير وكان صنوبر
لمست أمانينا فصارت جداولا —- وأمطرتنا حبا ولا زلت تمطر
مد الله في أيامكم، وحفظكم – سعادة الرئيس.