يبدو أن الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز ما يزال وفياً لأسلوبه الإعلامي القديم، فالرجل الذي حكم موريتانيا طيلة السنوات العشر الماضية، كان فيها الناطق والمتحدث باسم نفسه، محتكراً دائرة الضوء رغم وجود مستشارين ووزراء مستعدين للعب هذا الدور.
اليوم وهو يعيش عزلة سياسية شبه تامة، أعلن عن مؤتمر صحفي سيتم نقله في بث مباشر، ليكشف فيه موقفه من التطورات السياسية الأخيرة، وربما يعلن عن خطوات جديدة تجاه ما يجري داخل أروقة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم.
خطوة تأتي بعد أن أسندت مهمة إصلاح الحزب وإعادة هيكلته إلى الوزير الأول إسماعيل ولد ابده ولد الشيخ سيديا، في قرار بدا واضحاً منه أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني «يترفع» عن منازلة سياسية مع «صديق الأمس» الذي تحول إلى «خصم اليوم».
وأمام خطوة ولد الغزواني التي تضمن له البقاء خارج المواجهة، يجد ولد عبد العزيز نفسه أمام عدة خيارات يرى أغلب المحللين أنها ستكون صعبة وغير مريحة بالنسبة له، وهو الذي سبق أن فقد مساندة البرلمان والمؤسسة العسكرية، وفي طريقه ليخسر مركز القوة الثالث في الدولة: الحزب الحاكم.
المؤكد هو أن ولد عبد العزيز سيتمسك بحصيلة العشرية الأخيرة، ويدافع عنها بشراسة كبيرة، وهو موقف نابع من قناعته التامة بما حققه من «إنجازات» للموريتانيين، ولكنه في الوقت ذاته سيتمسك بحقه في ممارسة السياسة من موقعه كمواطن موريتاني بتمتع بكافة حقوقه.
يعتقد ولد عبد العزيز أنه تعرض لـ «خيانة» حين سُحبت منه ورقة الحزب، ولكن ما هي ردة فعله على ذلك، وهو الذي سبق أن أكد في آخر ظهور له عندما اجتمع قبل ثلاثة أسابيع بقيادات شباب ونساء الحزب، أنه سيناضل من أجل استعادة الحزب «حتى ولو بقي وحده».
تشير التوقعات إلى أن خيارات محدودة تلوح أمام الرجل، أولها أن يطعن في دستورية وقانونية ما يجري داخل الحزب، خاصة وأنه سيظهر في المؤتمر الصحفي إلى جانب رئيس لجنة تسيير الحزب سيدنا عالي ولد محمد خونه ونائبه بيجل ولد هميد، فالرجال الثلاثة قضوا ليلة طويلة في بنشاب نهاية الأسبوع الماضي وهم يناقشون ويخططون لخطواتهم المقبلة.
هل سيلجأ ولد عبد العزيز ورفيقاه إلى القضاء الموريتاني ؟، ذلك ما سبق أن تمت الإشارة إليه عدة مرات، خاصة حين أكد ولد هميد في مؤتمر صحفي سابق أن «القوانين والنصوص هي المرجعية الوحيدة للحزب».
ولكن هذا الطريق طويل وغير مضمون النتائج، سيظهر في نهايته ولد عبد العزيز ليس كرئيس سابق سلم السلطة في انتخابات ديمقراطية، وإنما كما سبق وأن ظهر المنشقون في أحزابٍ كالحراك الشبابي والمستقبل.
وأمام صعوبة هذا المسلك القانوني والقضائي، قد يتجه ولد عبد العزيز ورفيقاه نحو خوض المعركة «من الداخل»، كأن يعلنوا عن نيتهم حضور المؤتمر الوطني للحزب، طبعاً لا يحق لولد عبد العزيز الحضور، ولكن ولد محمد خونه وولد هميد يمكنهما ذلك نظرياً، من خلال عضويتهما في لجنة تسيير الحزب.
إن هذه الخطوة وإن حدثت فهي تعني رغبة ولد عبد العزيز في خوض معركة «لي الأذرع» مع جناح ولد الغزواني القوي، ولكنها معركة خاسرة بالنظر إلى أن الحمض النووي للأحزاب الحاكمة في مورتيانيا يدفعها للالتصاق أكثر بمن يحكم البلد، وليس بمن سبق وأن حكمه، إنها مسألة «وراثية».
وفيما تبدو الطرق المؤدية إلى استعادة الحزب الحاكم مسدودة في وجه ولد عبد العزيز، وفي ظل رغبته الكبيرة في ممارسة السياسة، يبدو خيار السعي نحو تأسيس حزب جديد أو «شراء حزب حقيبة» متهالك، متاحاً للرجل الذي يرفض التقاعد السياسي المبكر.
ولكنه خيار سيفرض عليه الظهور بصورة «المناضل المعارض» وهي صورة لا يحبها آخر رفيقين متمسكين به، ينتظران أبسط إشارة من السلطة للالتحاق بها، ليجد ولد عبد العزيز نفسه خارج دائرة الموالاة دون أن يدخل معسكر المعارضة.
هذا الخيار سيكرس حالة العزلة السياسية التي يعيشها الرجل، فهل سيصبر على ذلك في انتظار موعد أقرب انتخابات رئاسية (2024) لا شك أنه يفكر في الترشح لها، ترشحٌ تقف في وجهه الكثير من الموانع الدستورية والسياسية.
إن محاولة استشراف المستقبل السياسي لولد عبد العزيز، كانت معقدة جداً قبل تسليمه للسلطة، ولكنها أصبحت أكثر سهولة اليوم، بعد أن تفرقت قطع الشطرنج على الرقعة، وبقي «الملك» عاري الظهر ينتظر عبارة «كش ماتْ».. عبارة عادة لا ينتظرها اللاعبون المحترفون، فهل يفاجئنا وينسحب بهدوء.
الشيخ محمد حرمة