شاب عصامي قذفت به صروف النوى من مرابع الخيام ومراتع الأغنام إلى هذه المدينة منتصف سبعينات القرن العشرين، فاستقر به المقام في مباني الإذاعة حيث بدأ من هناك حياة أخرى.. شب وشاب في مهنة المتاعب، سلاحه مسجل ومصورة وقلم ومفكرة، قال عنه السفير أحمد ولد المصطفى "ما رايت صحفيا أكثر منه تفانيا في العمل، له حس صحفي لا يوجد عند غيره.." عايش وغطّى الأحداث الكبرى الوطنية التي مرت بها موريتانيا، ذرع البلاد شرقا وغربا بحثا عن الحقيقة والحقيقة فقط، ينقلها عبر أثير إذاعة موريتانيا وعلى صفحات جريدة الشعب، وأخيرا اتخذته كبريات الوكالات الحرة مصدرا موثوقا، حدثني أحد الزملاء أنه كان لا ينشر الخبر في وكالة نواكشوط قبل أن يتصل به ويجيزه، دفع ثمن الحرية، وحاول خصومه ثنيه عن رأيه فلم يفلحوه بكل إغراءاتهم..
وبينما كان الرجل ينتظر تكريمه على ما قدم للمهنة جازاه سيد القصر بطعنة في الظهر تمثلت في فصله تعسفيا من الوكالة الموريتانية للأنباء، عاش ثمان سنوات من الحيف صابرا ينشد يوما تتحقق فيه العدالة ويزول الظالم عن قصره ويستبدله برجل عادل يعيد له حقه فكان ما تمناه..
ماموني مختار ضيف الشروق ميديا في هذه الدردشة :
بداية نهنئكم في الشروق ميديا على نسل حقوقكم كاملة .. ما هي الشخصيات والمؤسسات التي كانت متضامنة معكم طيلة هذه السنوات؟
وأنا بدوري أهنئكم كابن بار وكزميل وكصديق مدافع عن القضايا العادلة، في الحقيقة كل الشعب الموريتاني بألوانه وأعراقه وأطيافه وقف معي في هذه الأزمة المريرة ، من قمته إلى قاعدته، هل تصدق ـ مثلا ـ أنني أتوقف أحيانا عند بعض محطات الوقود أجدهم يتضامنون معي ويحاولون إعفائي من الدفع تضامنا معي، حالات كثيرة من هذا القبيل وقعت لي في الشارع وفي السوق.
. أما الرموز والشخصيات السامية فحدث ولا حرج ساندتني كلها إما سرا لمن يجد إحراجا في إعلان التضامن مع شخص صوره النظام عدوا لدودا، أو علنا من رموز المجتمع الموريتاني بكل أطيافه، على رأس تلم الشخصيات المحامي ابراهيم ولد أبتي الذي تعهد بالملف والدفاع مجانا والمفوض الإقليمي محمد عبد الله ولد الطالب اعبيدي الملقب ولد آده، هناك شخصيات برلمانية لا بد أن أذكرها بالاسم من بينها النائب محمد المصطفى ولد بدر والنائبة كادياتا مالك جالو والنائب عبد الرحمن ولد مينى والنائب محمد محمود ولد لمات والنائب يحي ولد أحمد الوقف والنائب المختار ولد اخليفه والنائب الدي ولد اجاه والنائب محمد الامين سيدى مولود والنائب محمد بوي ولد الشيخ محمد فاضل، هؤلاء على اختلاف فتراتهم البرلمانية جعلوا قبلة الجمعية الوطنية منبرا للدفاع عن حقي فلهم مني جزيل الشكر والامتنان.
شخصيات إعلامية كثيرة من بينها النقيب الحسبن والد مدو الذي حول قضيتي إلى قضية رأي عام، والزميل موسى ولد حامد ومدير وكالة الطواري شنوف ولد مالوكيف الذي رفض كل ضغوط المدير السابق للوكالة وامتنع عن إزالة صورتي من موقعه شريطة أن تعاد لي حقوقي كاملة، ومحمد فال ولد باباه و الهيبة ولد الشيخ سيداتي مدير وكالة الاخبار المستقلة و سي ممدو مدير لفي ابدو والمختار ولد بابتح مدير الشروق ميديا هذه الشخصيات واكبت القضية من لحظتها الأولى إلى نهايتها. بالإضافة إلى سيدى احمد ولد باب مدير موقع زهرة شنقيط الذي أثار القضية في المؤتمر الصحفي للرئيس بشكل لم يترك مجالا لعدم حله.
لو عدنا إلى سنة 2012 تاريخ الفصل التعسفي ألا تتحملون جزء من تلك المسؤولية بنشر مقال يحرج موريتانيا؟؟
أنا أنفي بشكل قاطع أن يكون المقال المنشور عن العلاقات الموريتانية السعودية في وكالة نواكشوط للأنباء هو السبب هي مجرد حجة واهية.
بدأت القصة عندما كنت أقوم بتحقيقات صحفية استقصائية في الصحافة الحرة عن قضايا الفساد مثل تحقيق عن الشركة الصينية وتحقيق عن صفقة المطار وقد أغضب شركة النجاح، وتحقيق عن تخطيط "الكزرات" تلك التحقيقات جعلت النظام السابق يصنفني في خانة الأعداء بالإضافة إلى تحقيق عن العلاقات مع قطر جعلت الخارجية الموريتانية تستدعي السفير القطري وتتهمه بأنه سرب لي المعلومات رغم أنني لا أعرفه ولا أعرف مكان السفارة القطرية في نواكشوط ، تحقيقات جعلت الرئيس السابق يصنفني من المغضوب عليهم، وإعطاء اوامر عليا لوزير الإعلام بفصلي نهائيا من الوكالة الموريتانية للأنباء.
هل تحملون المسؤولية للرئيس السابق أم أن المدير السابق للوكالة يربه ولد الصغير يتحمل جزء من السؤولية ؟؟
كل الظلم الذي وقع يتحمله الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز شخصيا وهنا أنتهز الفرصة لأشكر الرئيس الحالي على إنصافي، رئيس يظلمني ورئيس ينصفني ويرد إلي الاعتبار، أعود وأقول المسؤولية يتحملها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وحده دون غيره وقد أسرّ لي وزير الإعلام السابق حمدي ولد محجوب حديثا مفاده أن ولد عبد العزيز أعطى أوامر صريحة بفصلي، وفجأة تحول موضوع مقالات ماموني مختار إلى قضية نقاش داخل أروقة حزب الاتحاد من الجمهورية، وشكلت خلية لمناقشة تلك المقالات تولى كبرها شخص معروف أتحفظ على اسمه.
ومن المفارقات العجيبة أن يطبع استفسار في مكاتب الحزب الحاكم لموظف في الوكالة الموريتانية للأنباء اسمه ماموني مختار يحمل هذا الاستفسار مدير الوكالة يرب ولد الصغير إلي، وهنا أستطيع أن أتحدى أرشيف الوكالة أن يخرجوا لي استفسارا طبع هناك، ومع ذلك أنا توقفت فترة عن الكتابة انسجاما مع الانضباط الوظيفي قبل أن أكتب مقالا في تقدمي. أعاد موجة الغضب وكان مقال العلاقات الموريتانية السعودية الذريعة التي تم بها فصلي.
ومع ذلك كله فإنني انتهز الفرصة لأعلن صفحي ومسامحتي لكل من ظلمني بشكل مباشر أو غير مباشر أقول لكل من تجاوز في حقي "لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين"
8 سنوات من الظلم كيف عاشها الصحفي ماموني مختار هل ساهمت سيارة التاكسي في تخفيف تلك المعاناة؟
رغم مرارة الظلم وقسوة الظروف التي عايشتها والضائقة المالية إلا أنني عشت كل هذه السنوات مرتاح الضمير هادئ البال، أتحدى بكبريائي كل من ظلمني لم أستكن ولم أتنازل رغم كل الإغراءات المباشرة وغير المباشرة، أسعد ما في هذه الحياة أن تحول لحظات ضعفك إلى قوة تتحدى بها الجبابرة ومن يقولون "من أشد منا قوة.." توكلت على الله واحتقرت كل ما لدى الظالمين من قوة متفانية.
لقد علمتني سنوات الظلم المريرة أن اللجوء للقضاء هو الحل قضيت ثلاث سنوات في معركة القضاء حتى انتهت مراحل التقاضي لصالحي، وبعدها قضيت خمس سنوات من أجل تنفيذ الحكم، وقد تعرضت للإغراءات ومما عرض علي مدير في المنطقة الحرة بانواذيبو ولم اقبل به لأن الحقوق لا يجوز التنازل عنها و لا اريد أنصاف الحلول.
أما التاكسي فقد اضطررت أن أمارسها في تلك الظروف الصعبة بدون علم الأسرة، ولما علم الابناء بذلك جلسوا معي واقنعوني بالعدول عنها وهنا أحيي الابناء وأمهم الذين كانوا إلى جانبي وخففوا علي الحياة وقد تربوا معي في جو يطبعه التشاور والديمقراطية فكانت الأغلبية أن أعدل عن مشروع التاكسي وأن أصبر على تلك الظروف الصعبة أنتظر رحيل الظالم وعودة الحقوق حتى فرج الله فله الحمد والشكر.
عايشتم الصحافة الموريتانية وتقلباتها أربعة عقود من الزمن وعرفتم بالانضباط في المهنة .. اليوم كيف تقومون وضع الصحافة؟؟
هذا سؤال كبير جدا، وكان ينبغي أن تعيد صياغته بالطريقة التالية : هل في موريتانيا اليوم صحافة ؟ نعم دخلت عالم الصحافة الموريتانية سنة 1975 متعاونا في الإذاعة الوطنية ثم موظفا في الوكالة الموريتانية للأنباء بداية أغسطس 1976 أذكر أن مهنة الصحافة يومها كانت مهنة مقدسة و هواية لا يلجها إلا من يهواها فهي ليست فرصة لتحصيل المال، كان كل من يحمل صفة صحفي محترما من أكبر مسؤول في الدولة إلى أصغر عامل إلى المواطن البسيط الذي يحترم أصحاب هذه المهنة المقدسة، هكذا عرفنا الصحافة.
وللأسف كلما تقدم الزمن تتراجع مهنة الصحافة، أذكر أننا استبشرنا خيرا بعهد الانفتاح الديمقراطي سنة 1992 لكنها للأسف كانت الانفتاح مجرد تمييع وإغراق للصحافة الورقية فمنحت التراخيص لكل من هب ودب، ومنعت عن كبار الصحفيين أصحاب التجارب المتراكمة، أذكر أنني والزميلين سيدينا ولد إسلمو وأحمد ولد المصطفى تقدمنا بطلب ترخيص جريدة في تلك الفترة فمنعنا رغم أن أكثر من 50 ترخيصا تم إصدارها من وزارة الداخلية لأسماء لا يعرفون في عالم الصحافة، وبالتالي فإن ما يسمى "المسلسل الديمقراطي" و"قانون حرية الصحافة" كان للقضاء على هذه المهنة وما بني على باطل فهو باطل.
واليوم وبعد طفرة المواقع لم يعد هنالك صحافة وظهرت مصطلحات غريبة من قبيل "برديوم" وهو مصطلح ترجمه عبد الله السيد بالسحت الصحفي، وظهرت "البشمركه" وهم أدعياء الصحافة الذين يسترزقون باسم المهنة ولا علاقة لهم بها.
وباختصار شديد غابت الصحافة عن موريتانيا بشكل عام هناك استثناءات قليلة جدا وهناك غالبية من ادعياء المهنة.
هل تنوون العودة إلى الصحافة؟
أبدا لن أعود للصحافة لسببين الأول واقع الصحافة المشوه، والثاني أن قرار العائلة أن أستريح من المهنة.