في يوم من الأيام وأنا أشغل منصب رئيس "سلطة تنظيم الاتصالات"، رن هاتفي الجوال فإذا بناشط سياسي شاب على الخط يطلب مني مقابلته، فاستجبت له مباشرة لما عرفت فيه من خصال الصدق والوفاء للمبادئ التي يقتنع بها والزهد.
طلبت من الكاتبة أن تدخله علي فور قدومه.
بعد السلام، قال لي بالحرف الواحد إن شخصية سياسية سامية (وقتها!) استدعته في المكتب وطلبت منه التوقيع على وثيقة تتهجم عليّ بطريقة مبتذلة ونشرها في المواقع الإخبارية وعلى وسائط التواصل الإجتماعي، مقابل تعيينه مديرا مساعدا في مؤسسة أتكتم على اسمها.
رددت عليه بسرعة قائلا:
"هل تبحث عن ما يرضيني شخصيا؟"
قال: "نعم..."
فقلت:" لقد وقفتَ في وجه "الربيع" بشجاعة منقطعة النظير وتم التنكيل بك بصفة علنية من طرف خصم لا يعرف للرحمة معنى، كما ناضلت في مناسبات صعبة أخرى دفاعا عن هذا النظام وتوجهاته، إلا أنه، ورغم محاولاتي المتكررة، لم أفلح في تأمين وظيفة -ولو صغيرة- لك، على الرغم من مؤهلاتك التعليمية الجيدة، في وقت حصل فيه بعض من وقفت في وجههم على وظائف حكومية متقدمة، لذا سأطلب منك طلبا آمل أن تلبيه لي..."
فرد قائلا: " طبعا وما هو الطلب؟"
فأجبته: "أطلب منك أن تريني الوثيقة التجريحية المذكورة لأزيدها بأمور سلبية تتعلق بي، أشنع من ما جادت به مخيلة صاحب الاقتراح، وأن توقع على هذه الوثيقة "المعززة" وتوزعها توزيعا، لتعظيم حظوظك في الحصول على حق لم نستطع معا انتزاعه لك"...
ضحك الشاب وعلامات المفاجأة بادية على محياه،
ثم رد: " ما انگد، ضميري ما يسمح لي ابذاك".
فعدت وقلت له: "ألم تعدني بتلبية طلبي؟"
فأجاب : "ما انگد، ما انگد".
ولم يلبث أن ودعني ثم انصرف.
موجبه...