الاخبار ميديا : تمتع الاقتصاد الأوروبي بمرونة كبيرة مكنته من أن يمتص تداعيات فيروس كورونا ويبدأ في التعافي من آثارها، على عكس الاقتصاد الأميركي الذي يبدو في وضع صعب جراء الموجة الثانية من الجائحة.
قال الكاتبان جوزيف دي ويك وإليترا أرديسينو، في تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" (Foreign Policy) الأميركية، إن جائحة كورونا بدأت في تغيير الكثير من المسلمات في الاقتصاد العالمي، والتي من أبرزها أن الولايات المتحدة تتعافى دائما من أي أزمة اقتصادية أسرع من أوروبا.
حدث ذلك بعد الركود الناجم عن أزمة النفط في السبعينات، وبعد ما يُعرف بـ "فقاعة الإنترنت" مطلع الألفية الجديدة، وبعد الأزمة المالية عامي 2008 و2009، لكن الأزمة الحالية قد تكون مختلفة عن سابقاتها.
وأكد الكاتبان أن الدول الأوروبية استطاعت بعد فترة وجيزة من بداية انتشار كورونا منتصف مارس/آذار أن تتخذ إجراءات حاسمة لاحتواء الأزمة، ووضعت خططا ضخمة للحفاظ على اقتصاداتها.
وقد أقر الاتحاد الأوروبي، منذ بداية الأزمة، حزمة مساعدات بما يقارب 890 مليار دولار لمساعدة دوله الأعضاء الأكثر تضررا من الجائحة.
وحسب الكاتبين، فإن تلك الإجراءات أعطت نتائج مشجعة، حيث بدأ الاقتصاد الأوروبي في التعافي، ففي يوليو/تموز شهدت تجارة التجزئة بدول الاتحاد نموا طفيفا، كما تُظهر الأرقام أن زيارات المتاجر والمطاعم أصبحت قريبة من مستويات ما قبل الجائحة.
أما في الولايات المتحدة، فإن الإنفاق الحكومي الهائل لم يساعد في امتصاص الآثار الاقتصادية المدمرة للجائحة كما يقول الكاتبان، فإلى جانب التراجع الكبير في الدخل الفردي، أدت الموجة الثانية من العدوى إلى إبقاء معدلات الاستهلاك في مستويات منخفضة، كما تُظهر البيانات الأميركية أن حركة التنقل لا تزال أدنى بكثير من المستوى العادي.
الإنفاق الحكومي الهائل بالولايات المتحدة لم يساعد في امتصاص الآثار الاقتصادية المدمرة للجائحة (رويترز)
تأثير محدود للموجة الثانية أوروبيا.
هناك عدة مؤشرات تدل على أن الانتعاش الاقتصادي النسبي -الذي شهدته أوروبا خلال الفترة الماضية- لن يتضرر بالموجة الثانية مثلما حدث في الولايات المتحدة، بالرغم من ارتفاع عدد حالات الإصابة بالفيروس في كل من فرنسا وإسبانيا واليونان.
وتكشف الأرقام أن عدد حالات الإصابة الجديدة بالفيروس بدول الاتحاد أقل كثيرا مما كانت عليه الموجة الأولى، فقد بلغ معدل الإصابات اليومية الجديدة حتى الآن 45 حالة لكل مليون نسمة، وهو أقل من معدلات مارس/آذار وأبريل/نيسان البالغة حوالي 60 حالة، وأقل بكثير من المعدل الذي سجلته الولايات المتحدة أواخر يوليو/تموز، أي حوالي 200 حالة.
من جهة أخرى، يتركز ارتفاع معدلات الإصابة في عدد قليل من الدول، ومنها إسبانيا التي تجاوزت فيها الحالات الجديدة ما سجل أواخر مارس/آذار الماضي، وكان مسار انتشار الفيروس في كل من كرواتيا واليونان وبولندا ورومانيا يشبه ما يشهده عدد من الولايات الأميركية بالجنوب والغرب.
لكن معظم الدول الأوروبية ما يزال وضعها تحت السيطرة، ففي كل من إيطاليا وألمانيا ودول الشمال ومعظم دول البلطيق، ارتفع معدل الإصابات بشكل طفيف. وفي كل من بلجيكا وهولندا والدانمارك، بدأت الموجة الثانية بالانحسار وعاد الموظفون إلى مكاتبهم.
كما نجحت أوروبا في تطبيق إجراءات الإغلاق الجزئي في بعض المناطق الموبوءة، مثلما حدث في مدينة أنتويرب البلجيكية.
من جانبها، تبنت فرنسا -التي تجاوز فيها معدل الإصابات الجديدة المستويات المسجلة بالموجة الأولى- إستراتيجية صارمة للاختبارات منذ أغسطس/آب الماضي، ولا يزال معدل الحالات الإيجابية أقل من نسبة 5% التي حددتها منظمة الصحة العالمية، وعاد التنقل تقريبا إلى مستوياته المعهودة قبل الجائحة.
أما النقطة الأكثر أهمية، فهي أن الدول الأكثر تضررا من كورونا تقع على أطراف القارة الأوروبية وليس لها وزن اقتصادي كبير بمنطقة اليورو، على عكس الولايات المتحدة التي ضربت فيها الموجة الثانية بعض أهم الولايات في الاقتصاد.
وتمثل كل من كاليفورنيا وفلوريدا وتكساس -وهي أشد الولايات تضررا من الموجة الثانية- حوالي 30% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، بينما يعادل نصيب الدول الأوروبية الأشد تضررا من الموجة الثانية، حوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو.
تعافي أوروبا من كورونا أسرع من الولايات المتحدة يعزز الثقة بقدراتها ويساعدها على استعادة مكانتها (رويترز)
هل تستعيد أوروبا مكانتها؟
وعاد الكاتبان لتأكيد أن الولايات المتحدة لم تتمكن من امتصاص تداعيات الموجة الثانية رغم أنها لم تلجأ إلى عمليات إغلاق شامل مثلما حدث خلال الموجة الأولى، وذلك بسبب سلوك مواطنيها الذين أصبحوا أشد حذرا وخوفا من الإصابة بالفيروس.
وتُظهر بيانات حركة التنقل بالولايات المتحدة أن الزيارات إلى محلات البيع بالتجزئة ومراكز الاستجمام بقيت أقل بنسبة 12% تقريبا من مستويات فبراير/شباط الماضي. وفي كاليفورنيا وفلوريدا وتكساس، انخفضت الزيارات بنسبة 22% خلال الأسبوع الماضي.
وعودة إلى أوروبا، تسير الأمور بشكل أفضل بكثير -رغم أن التعافي الكامل للاقتصاد لا يُتوقع حدوثه في فترة زمنية قصيرة- إذ بدأ الأوروبيون يشعرون بالثقة الكافية لاستئناف الإنفاق، كما أكدت الحكومات أنها لا تنوي عودة إجراءات الإغلاق الشامل وإغلاق الحدود.
ويخلص الكاتبان للاعتقاد أن تعافي أوروبا من هذه الأزمة، بشكل أسرع من الولايات المتحدة، من شأنه أن يعزز ثقة القارة في قدراتها، وأن يساعدها على استعادة مكانتها على الصعيد الدولي في عالم تهيمن عليه المواجهة الصينية الأميركية.