مؤسسة “رسالة السلام” تقدم عرضا فكريا حول الزكاة من منظور تنويري في معرض القاهرة للكتاب

سبت, 02/05/2022 - 00:32

 

في إطار أنشطة جناح مؤسسة رسالة السلام بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، قدم الأستاذ محمد ناجي، عضو وفد المؤسسة عرضا عن رؤية كتاب الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي حول الزكاة، والآفاق التي ستترتب على تطبيق تلك الرؤية على صعيد حياة المسلمين وفي إطار علاقاتهم مع الآخرين.
وقوبل العرض بمتابعة من قبل عدد من حضور أنشطة المعرض.
وفي ما يلي نص العرض:

جاء الإسلام ليحقق العدالة الاجتماعية والتوازن المالي بين مستويات المعيشة في إطار حرصه على تحقيق أحد أهدافه السامية وهي العدالة والمساواة.
ولذلك شرع الإسلام وفرض الزكاة سبيلا إلى تكريس ذلك، كما عززها بفرائض مالية أخرى مثل الكفارات في ميادين أخرى، يستفيد منها الفقراء.
وفي هذا الإطار تتركز رؤية المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي، الذي قدم حول الموضوع طرحا بالغ الأهمية والتأثير في حياة الناس.
ويرى الأستاذ الشرفاء أنه “للزكاة في الخطاب الإلهي هدف محوري وهامً، ألا وهو إرساء قاعدة التكافل الاجتماعي في أجلى صوره .. وكان تعبير الخطاب الإلهي في ذلك بعبارة الإنفاق في سبيل الله”.

و يعتبر أن “الإنفاق هو نوع من أفضل أنواع الجهاد. وعليه يُعد سعي الأمة للتكافل فيما بينها جهادًا في الله وسعيًا إلى مرضاته”.
ويعزز الأستاذ طرحه بقول الله تعالي في محكم آياته : (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة : 261).
ويلخص الأستاذ رؤيته في الموضوع في النقاط الخمس التالية:
أولى هذه النقاط هي أن الزكاة فرض إلهى فى إرباح أصحاب الأموال، وهى فرض عين؛ كما قال الله فى كتابه العزيز: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) لذلك تعتبر الزكاة حقا معلوما وواجبا.

النقطة الثانية من هذه الرؤية تعتمد على أساس مكين، هو المنطلق في الخطاب الإلهي، حيث حدد الله سبحانه فى قرآنه العظيم نسبة الحق المعلوم فى الأموال، وهى كما قال الله سبحانه: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)، ويواصل مؤكدا هذه الآية حددت نسبة عشرين فى المائة من الأرباح والغنيمة، تفسر فى اللغة العربية أرباح المال، أو ما أضاف الإنسان إلى أصل ماله ربحًا إضافيًا يستحق عليه دفع الزكاة بالنسبة المذكورة أعلاه.

النقطة الثالثة في طرح المفكر هي أن الله “فرض الله الإنفاق من المال لحساب الزكاة، على أن تخصم من الأرباح، بحيث تُخصم منها العشرون فى المائة، وتبقى ثمانون فى المائة لصاحب المال، وبما أن الله هو الرزاق، وقد استخلف الإنسان على ما رزقه من مال، أمانة عنده لله للصرف على متطلباته، أمر الله الإنسان أن يخصص عشرين فى المائة من أرباحه، ويعتبرها قرضًا لله سيضاعفه لدافع الزكاة أضعافًا مضاعفة، تأكيدًا لقول الله سبحانه: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)( البقرة :٢٤٥)”.
أما النقطة الرابعة من هذه الرؤية، فتستند إلى الآية الكريمة ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) )، ويستدل بها الأستاذ على إلى أن الطيبات من الرزق هي المكاسب والأرباح.
ولا ينسى المفكر الكبير في النقطة الخامسة من النقاط المرجعية الخمس في الموضوع، لا ينسى الإشارة إلى أن هذه الزكاة، أعني زكاة الأرباح، لا ترتبط بأي زمن؛ فمتى حصلت الأرباح، يتم دفعها، ويقول: “نشير الى مدة استحقاق الزكاة و هي أنه طالما ان استحقاق الزكاة مرتبط بالربح الصافي فيعني ذلك أن استحقاق الزكاة مرتبط باستلام الأرباح الصافية في أي وقت، وليس مرتبطا بزمن معين؛ حتى لو تحقق للإنسان مكاسب الأرباح كل يوم فعليه أداء استحقاق الزكاة كل يوم، وعلى ذلك يتم توفير الحياة الكريمة لكل افراد المجتمع وذلك هو العدل الذي أمر الله المسلمين ان يطبقوه حتى تختفي الحاجة من المجتمع، ويزول الحقد والحسد بين الناس ليبارك الله لهم فيما رزق ويزيدهم من نعمه وتتنزل عليهم بركاته”.
وانطلاقا مما سبق نجد أن هذه رؤية تنويرية بالغة الأهمية، وجديرة بالنقاش بين المشتغلين في حقلي الفتوى والاقتصاد.
وتعود بالفائدة على رفاهية مجتمعات المسلمين، حيث أن قيام الدول بإنشاء مؤسسات تشرف على تنفيذ المخططات التنموية ومخططات رفاهية ورخاء وتعليم وصحة الشعوب من ريع الزكاة تعتبر هدفا إسلاميا أصيلا طبقا لما ورد في آية سورة التوبة السابقة.
ومن ناحية أخرى فإن ذلك سوف يعزز ارتباط المجتمع فيما بينه، ويقضي على عوامل النقمة والكراهية، ومع الوقت باستمرار تطبيق تلك التعليم تتقلص الهوة بين مستويات الناس قبل أن تختفي نهائيا.
وسوف يكون ذلك صمام أمان للمجتمعات، وضمانة لها أن لا تنجرف في الحوادث التي يسببها غياب العدالة الاجتماعية وعدم تكافؤ الفرص.
كما أن استخدام تلك الأموال في مساعدة الضعفاء من البشر من غير المسلمين، يعتبر خدمة كبيرة للإسلام والمسلمين بالفعل لا بالقول.
ويرى المفكر الشرفاء في هذا السياق أنه لا يوجد تنصيص في القرآن الكريم على حصر مستحقي الزكاة بالمسلمين، بل هي موزعة على أصناف من البشر هم الفقراء والمساكين.. إلخ، من دون حصر للانتماء للإسلام أو غيره، وهو ما ينسجم مع رسالة الإسلام الإنسانية، التي تعلي قيمة البشر، انطلاقا من كونهم بشرا، وتكرمهم مصداقا لقوله تعالى (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا).
إنسانية الإسلام مبدأ لو انطلق منه المنظرون لخدموا الإسلام خدمة حقيقية، انطلاقا من روحه ومبادئ رسالته السمحة الناصعة الواضحة، وليس انطلاقا من تفسيرات لا تنفذ لروحه ولا تتناغم مع جوهره، ولا تنسجم مع مبادئ العدل والحرية والسلام والمساواة، وهو ما ساهم في خلق جدار من الكراهية بين المسلمين بعضهم بعضا، وبينهم والآخرين، ولو أن تلك المبادئ طبقت بأمانة لكان الإسلام معروفا على حقيقته من الجميع، أسلم من أسلم، ولم يسلم من لم يسلم.
بعبارة واحدة يرى المفكر الشرفاء أنه لو طبقت هذه الرؤية فإن المدينة الفاضلة التي يبحث عنها الناس منذ الأزل ستغدو حقيقة لا مراء فيها