تصويب الخطاب الإسلامي بالعودة للقرآن/ بقلم عبد الله فال

أحد, 03/20/2022 - 00:11

 

ابتعدت الأمة كثيرا عن القرآن وذلك هو السبب الأساسي في ضعفها وخمولها وضياعها، وانشغل المسلمون بالآراء التي تراكمت عبر القرون لتشكل حجابا صرف الناس عن أوامر الله الواضحة في كتابه والتي بلغها رسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم، طبقا لمهمته التي حددها له الحق تعالى “لتبين للناس ما نزل إليهم”.

ووسط هذه القترة التي أعمت العقول، يحتاج الخطاب الإسلامي إلى مراجعة لا يمكن أن تتحقق إلا بالعودة للقرآن.

فالقرآن ليس خطابًا إلهيًا لأمة بعينها دون سائر الأمم، بحيث يصير مقصورًا على جماعة دون جماعة، بل إنه خطاب ذو عالمية مقررة في غير موضع من كتاب الله تعالى، فالسياق القرآني استعمل لفظتي “الناس”: يا أيها الناس .. و”العالمين”: (الحمد لله رب العالمين)؛ دلالة على العالمية بوصفها صفة ملازمة للخطاب القرآني، فضلًا عن آيات أخرى تُصرِّح بعالمية الرسالة المحمدية }(وما أرسلناك إلا كافة للناس)؛ و(أرسلناك للناس رسولًا)؛ و(قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا).

والقرآن خطاب مباشر من الله (عز وجل) إلى جميع البشر، وهذا الخطاب يحوي أسئلةً وإجاباتٍ، ووعدًا ووعيدًا، وأوامر ونواهي، لذا فمن الضروري التجاوب مع الخطاب القرآني من خلال الرد على أسئلته، وتنفيذ أوامره وتحكيمه.

وللقرآن مقاصد عديدة منها إصلاح الاعتقاد وتعليم العقد الصحيح، وهذا أعظم سبب لإصلاح الخلق، لأنه يزيل عن النفس عادة الإذعان لغير ما قام عليه الدليل، ويطهر القلب من الأوهام، وقد أشار إلى هذا المعنى قوله تعالى: فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب. فأسند لآلهتهم زيادة تتبيبهم ، وليس هو من فعل الآلهة، ولكنه من آثار الاعتقاد بالآلهة .

ومن مقاصد الذكر الحكيم التشريع؛ وهو الأحكام الخاصة والعامة؛ قال تعالى: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله. وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله. ولقد جمع القرآن جميع الأحكام جمعا كليا في الغالب، وجزئيا في المهم، فقوله: تبيانا لكل شيء. وقوله : اليوم أكملت لكم دينكم. المراد بهما إكمال الكليات.

ومن مقاصد القرآن سياسة الأمة وهو باب عظيم في القرآن القصد منه صلاح الأمة وحفظ نظامها كالإرشاد إلى تكوين الجماعة بقوله: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها. وقوله: إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء. وقوله: ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم. وقوله: وأمرهم شورى بينهم .

وفي هذا السياق، وفق المفكر الإسلامي الأستاذ علي محمد الشرفاء الحمادي في تشخيص واقع المسلمين اليوم في كتابه “ومضات على الطريق (المسلمون بين الآيات والروايات)، حيث وجه عبر هذا الكتاب المستند للقرآن، نداء مخلصا نابعا من القلب والعقل من أجل الاعتماد الكلي على الذكر الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ولعل أهم مرتكزات هذا النداء هو التنبيه على “ضرورة تصويب الخطاب الإسلامي بالعودة إلى أصل الرسالةالتي أنزلها الله على رسوله في الكتاب المبين ليبين للناس طريق الهدى والخير والأمن والعدل والرحمة والسلام”.

ونبه الكتاب ذو الأجزاء الثلاثة “إلى وجوب التقيد بالقرآن”، معتبرا ذلك “ضرورة قصوى للإنسان ليأمن يوم الحساب، لأن المسلم، حسب الأستاذ علي محمد الشرفاء، مأمور باتباع القرآن واتباع مقاصد آياته”، مبتعدا عما شهدته العصور السابقة من تحريف وتزوير وافتراءات على الله ورسوله”.

وقال في دعوة للتقيد بالقرآن “نقف اليوم أمام الله معاهدين بأن نرفع عن كتابه ما وقع عليه من ظلم وعزل وهجر وتشويه”، باعتبار ذلك “أمانة ومسؤولية عظيمة يحملها كل من آمن بالله ورسوله، واتبع كتاب الله وعرف مقاصد آياته وما تدعو إليه الناس من رحمة وعدل وحرية وسلام ومعاملة بالتي أحسن”.

ولعل أهم ما لفت له الأستاذ علي محمد الشرفاء في كتاب الومضات، هو دعوة “أصحاب العقول والمفكرين للعمل المخلص والمتجرد لتصويب الخطاب الإسلامي بعدما هجره المسلمون”.

وعن منهجية التصويب يضيف المؤلف “تصويب الخطاب الإسلامي يجب أن يكون نابعا من إرادة صادقة ونية مخلصة يبتغي أصحابها من ورائها رضى الله ورحمته من أجل تصحيح مسار رسالة الإسلام لخير البشرية، ورفع ما وقع عليها من محاولات شريرة لخداع المسلمين ودفعهم لاتباع الطرق الخاطئة التي قد تؤدي بهم إلى ما لا يتمنون عند الحساب”.

وبعد أن شرح بالتفصيل ما يمر به المسلمون اليوم وما يشهده العرب من ظلم واحتلال واستيلاء على الثروات، أضاف قوله بقلب يعتصره الألم “أخشى ما أخشاه إذا استمر الوضع الحالي على ما هو عليه أن نتقبل العزاء في أمة تاهت وضاعت وأصبحت لقمة سائغة لكل الطامعين، فسلام على أمة حملت رسالة حملت رسالة الإسلام للإنسانية كلها”. 

لقد نصح  المؤلف الأمة بتوجيهها لمقاصد القرآن الكريم الذي هو المدخل السليم للتعريف بالدين الإسلامي تعريفاً صحيحاً لا يشوبه التشويه، وبيانه بيانا سليما لا يعتريه الخلل، وتوضيحه توضيحا كاملا لا يرد عليه النقص أو الزلل.

فمقاصد القرآن، كما هو موضح في كتاب “ومضات على الطريق” هي الكاشفة لحقائق الإسلام ومعالمه، وهي المرشدة إلى معانيه وقيمه، وهي الهادية إلى أسراره وغاياته.