الهجوم الغربي ضد تركيا لتجاوزها الخطوط الحمراء كتحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف المجالات واستقلالية القرار السياسي ورهانها على روسيا كشريك استراتيجي مستقبلا

سبت, 08/11/2018 - 22:57

الاخبار ميديا  / كتب الرئيس التركي طيب رجب أردوغان في جريدة “نيويورك تايمز” يوم السبت “تركيا ستبحث عن حلفاء آخرين بدل الولايات المتحدة” تحذير صادر عن زعيم قومي يريد وضع تركيا بشكل مستقل أو تعاون ند للند في الخريطة الدولية وفي صنع القرار الاقليمي في الشرق الأوسط.

كان هذا رد أردوغان على مناورات الغرب بتخفيض العملة التركية الى مستويات مقلقة، لأن بريطانيا والولايات المتحدة وإسرائيل فرنسا اتضح لها أخيرا وبدون شك بل بقين تام أن تركيا لم تعد الدولة الضعيفة سياسيا واقتصاديا كالمعتاد.

وحقيقة أمر الواقع، أن الغرب وجد نفسه في مواجهة خادم سابق يتمثل في الحكومات التي تعاقبت على الحكم في أنقرة،  وجعلت من هذه الأمة العظيمة وهذا البلد ذو الموارد الطبيعية الضخمة يتخبط في معارك سياسية واقتصادية داخلية مصطنعة.

كل هذا منح للغرب قدرة السيطرة وتوجيه حكومات البلاد ودب الشلل في النخاع العصبي للقيادة السياسية التركية للحيلولة دون السير نحو التموقع لقيادة المنطقة وتطوير علاقات استراتيجية مع إيران وباقي الدول العربية الإسلامية.

تركيا اليوم حققت قفزة هائلة، فقد نجحت في تحقيق الاكتفاء الذاتي تقريبا في مختلف المجالات ومنها في مجال التغذية والزراعة، بمعنى توفرها على الأمن الغذائي. وهذا خط أحمر لا تسمح به القيادة الغربية المتحكمة في الاقتصاد الدولي. والاكتفاء الذاتي في مجال التغذية والزراعة يمنح استقلالية القرار السياسي الشبه الكامل.

كما وصلت تركيا اليوم الى القدرة الشبه الكاملة في مجال الصناعات الثقيلة المتمثلة في صنع المحركات وقطع الغيار والصيانة لما هو مدني وعسكري أساسا، ومنها قرار تركيا صنع طائرة مقاتلة للتخلي عن الطائرات الأمريكية، وهو ما يقتصر فقط على دول محدودة في العالم.

تركيا من الدول القليلة التي تتمتع بقدرة هائلة في إنتاج النسيج والمركبات والمحركات ومواد البناء والأدوات الألكترونية والأدوية وتتميز جامعاتها بإنتاج علمي وفير. ولعل أكبر قفزة اقتصادية خلال العقدين الأخيرين هو مضاعفة الانتاج القومي خمس مرات، من 240 مليار دولار سنة 2001 الى قرابة ألف مليار دولار اليوم. وهي أول دولة إسلامية كانت محسوبة على العالم الثالث تقترب من المعايير الاقتصادية للغرب ومرشحة لتحقيق خطوة عملاقة اقتصاديا، وهو ما يقلق هذا الغرب الذي كان يرى في تركيا الخديم والآن يتمرد. لكن ضرب الليرة التركية سيؤثر على الناتج الإجمالي الخام بسبب تراجعها الكبير أمام الدولار واليورو.

تركيا اليوم أصبحة قوة اقتصادية وزراعية وعلمية، مما يجعلها تتخذ قرارات سياسية مستقلة بمعزل عن النظام العالمي المتعامل به بعد الحرب العالمية الثانية. وهذا ما يفسر قرارها شراء منظومة س 400 من روسيا والتنسيق مع موسكو في الملف السوري واتخاذ مواقف صلبة في القضية الفلسطينية والتوقيع على اتفاق نووي ضخم مع روسيا سيغنيها عن استيراد نسبة هامة من الغاز.

لقد وعت تركيا كل الوعي استحالة تحولها الى عضو في الاتحاد الأوروبي، أحد الأذرع الرئيسية لكثلة الغرب، وأدركت أنها عضو مشكوك في ولاءه للحلف الأطلسي.

لقد هدد أردوغان بالبحث عن حلفاء آخرين، ودرست تركيا مستقبلها جيدا ومنها التنسيق مستقبلا مع دولتين وهما إيران وباكستان علاوة على روسيا والصين حاليا. وتعكس لغة الأرقام من حيث التبادل التجاري هذا التوجه لاسيما بعد قرار أردوغان استعمال العملات المحلية في التبادل مع هذه الدول. كما يعكس التنسيق السياسي في ملفات الشرق الأوسط مع روسيا والحوار مع إيران هذا التوجه.

الغرب لن يتسامح مع تركيا، لكن في القرن الواحد العشرين لم يعد الغرب لوحده اللاعب الوحيد، وقد يكون تدميره لليرة هو المنعطف نحو تغيير جذري في الشرق الأوسط بطلاق تركي-غربي وزواج روسي-تركي.  

“رأي اليوم”: