«أقوال الشيخ زايد».. تجربة خمسة عقود من العمل الوطني والعطاء / المفكر علي الشرفاء الحمادي

سبت, 09/28/2024 - 11:16

 

صدرت عن مؤسسة رسالة السلام للأبحاث والتنوير، طبعة جديدة من سلسلة «أقوال الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان»، إعداد المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي، في تسعة أجزاء، يحمل كل جزء عنوان مختلف.

وبهذه المناسبة ننشر مقتطفات من السلسلة القيمة التي تشتمل على خلاصة تجربة من القيادة العظيمة على مدى خمسة عقود، فهي مسيرة رجل تاريخي يحتذى به، المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

نبدأ بمقدمة المفكر العربي علي الشرفاء للسلسلة:

لا شك أنّ تجربة خمسة عقود من العمل الوطني الجادّ والعطاء الدّؤوب المتجدد في عَزْمٍ لا يلين، وما أثمرت عنه تلك الجهودُ الجبارة وما واكبها من عمليات البناء والتطوير الشامل في دولة الإمارات العربية المتحدة، بقيادة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، لهي تجربةٌ وطنية وقومية ثرية تعني الكثيرَ، سواء لابن الإمارات العربيةّ المتحدة والخليج أو للإنسان العربيّ أيَّاً كان موطنه.

لأن الأعمال العظيمة والجَسورة ذات التخطيط الواعي والتنفيذ الدقيق تكون نادرة ومحدودة على مَرّ العصور، بقدر تَوافر الأفذاذ من الرّجال الذين شاءت الإرادة الإلهيةَ أن يكون لهم الطليعة في نهوض أممهم وتطوير مجتمعاتهم.

ففي أزمنة الميلاد الحضاري يُبعث من رَحِمِ المعاناة رجالٌ استثنائيون خُلقوا للمعالي بما وهبهم الله من بصيرة نافذة واستعداد بلا انتهاء للتضحية والفداء دوماً لما يشعرون معها من المتعة في خدمة مجتمعهم، ولو أجهدَتْهم تلك المسؤولية، إذ إنهم من الذين يُضنُّ بمثلهم ممن ينبهون الناسَ؛ ويرفعون الالتباسَ ويفكرون بحزم ويعملون بعَزْمٍ ولا ينفكون حتى ينالوا ما يقصدون، حيث آمنوا بأنّ لهم رسالة سامية يحملونها، يبذلون في سبيلها كلّ غالٍ ونفيس ويتحملون لأجلها ما تنوء به عزائم الرجال وتتصدع منها الجبال مستمدين قوتهم وثقتهم من عون إلهي لا ينضب، أودعه الله تَعالى في قلوب المؤمنين وسخّرهم لخدمة خَلْقه في كلّ عصرٍ وحينٍ.

وفي طليعة هؤلاء الرّجال يبرز اسمُ زايد الذي عاش شَظفَ العيش فلم يتبرّم، وجاءته الدّنيا راكضهً بخَيلها وخُيَلائِها فلمْ يتعظّم، عاَيشَ الصّحراء بكلّ قسوتها، فأكسبتْه القدرةَ على تحمّل الصّعاب وتذليلها ورأى فيها أبعاداً لا تحدُّها حدودٌ أو سدودٌ.

فأدرك ببصيرتهِ الثاقبة أنّ لَه أخوةً يشاركونه طموحاتِه وآمالَه، فاتجه إليهم فاتحاً قَلبَه ومادّاً كلتا يَديْه، مُقْبلاً عليهم بكلّ الودّ والإخلاص، وهو يرفع راية الوحدة منادياً:

أشقائي هلمّوا لِنَبنيَ سوّياً صرحاً متيناً قوّياً لنشُدَّ به أزر الشقيقِ، ونسعى بالسَّلام دائماً مع الصّديق، نمدّ أيدينا للجميع بالتسامح والتعاون من أجل خَيْر شعبنا وأُمتنا، مؤكّداً للجميع أنّهم، مَعه شركاءُ في كلّ شيء، فأعطى كلَّ شيءٍدون حسابٍ، ولم يبخلْ بمالٍ أو جهدٍ أو فكرٍ على أشقائِه وشعبهِ، أحبَّهم جميعاً فَتَسامىَ بقلبهِ العظيمِ فوقَ الصَّغائر.

وانطلق بشَعْب الإمارات إلى آفاق العَالمية، ورفَع اسم الدّولةِ عالياً في كلّ المحافل فتجاوز بقدراتهِ وإيمانهِ الحدود، فَفُتِحت له القلوب، ومُدَّت إليه كلُّ الأيادي، تُقبِل عليه معانقةً مرحِّبة بالقائد، الذي أسّس دولة الاتحاد (دولة الإمارات العربية المتحدة)، فاستحق بكل الجدارة لقب (القائد التاريخي)، ونالت قيادته بالإجماع سمات (القيادة التاريخية).

كانَ مولدُ دولةِ الإمارات العربية المتحدة، في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) سنة 1971 نِتَاجاً لطموحات العرب الدائمة في الوحدة، وتجسيداً لسعي دؤوبٍ قام به الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وإخوانه حكّام الإمارات.

وخلال تلك المسيرة الظّافرة، أثبتت المرأة – كما أثبت الرّجال القدرات الجيّدةَ والكفاءاتِ اللازمةَ، فكانت صانعة الأجيال، التي تحمّلت بشجاعة واقتدار مسؤولية الحفاظ على مستقبل الدولة الفتيّة، فقد بدأت مسيرتها في الدولة الحديثة بالرغبة الصّادقة في التخلّص من أغلال التخلف، والحرمانمن التّعليم، فتحققّت لها المشاركة في بناء مجتمع العدل والرفاهية والأمن.

لقد شملت خطط التنمية التي رعاها الشيخ زايد في دولة الإمارات العربية المتحدة جميع المرافق ووجوه الحياة الانسانية، مما مكَّن لأبنائها بعد مُضي عُقود من الزمن أن ينعموا بمستوى أكثر بلدان العالم تقدّماً ومدنيةً ورفاهية وجعلهم ينظرون الى الماضي باعتباره نبراساً وحافزاً للمضي قُدُماً في طريق التقدّم، وتحقيق آمال أُمتنا العربيّة في العزّةِ والكرامةِ والاتحاد.

وعلى الصعيد الخارجي، أَولتِ الدولةُ اهتماماً كبيراً لتعزيز علاقاتها مع أخواتها في دول الخليج العربي، إذ تَمثّل هذا الاهتمامفي تكثيف الاتصالات معها، بهدف التّشاور والتنسيق، تَجاه القَضَايا المشتركة التي تُهمّ منطقة الشرق الأوسط، وتمّ عقدُ عددٍ من الاتفاقيات التي تدعم  تطوير التعاون الخليجي عام 1981.

كما حَرِصَت دولة الإمارات العربية المتحدة على تعزيز الرّوابط الأخوية الوثيقة مع الدول العربية وتدعيم صلاتها بالدول الصديقة وتوطيد علاقاتها مع دول العالم الثّالث ومجموعة دول عدم الانحياز.

وما بين انطلاق رحلة البناء والتعمير، وبين ذروة القمة التي وصلت إليها دولة الإمارات العربية المتحدة، تبرز فرادة قيادة زايد التاريخية، وبُعدُ نظرِه وحكمتُه في إدارة الأمور تخطيطاً وتوجيهاً وتغييراً، وتبرزُ معها خصائص القيادة الجليلة وقسماتها النبيلة، وما تنطوي عليه من أفكارٍ وتّصوّرات وأحلام تحولت إلى حقائق في البناء الوطني الشامخ لهذا الوطن.

إنّ مخزون هذه الأفكار والمُثُل العليا، التي تقف وراءها والخبرة المتراكمة في قيادة العمل الوطني خلال مدّة محددّة من الزمن لجديرةٌ بالتوثيق والتقنين والنشر؛ لتكون هادياً مرشداً لعملنا الوطني والقوميّ في تطلعاته المتجددّة، ومرشداً للكوادر الوطنية في أداء مَهمّتها وأدوارِها، كُلٍّ في موقعه، في خدمة هذا الوطن؛ ولتكون أيضاً مرجعاً للعمل الوحدوي العقلانّي المتوازن بعيداً عن أهواء النفس، والمسالك الطائشة التي تعرقل هذا العمل بَدَلَ أن تمهّد له سبل النّجاح بالكلمة الطيّبة والقول الحسن والإقناع بالرأي والحجة.

إنّه في ذِكْرى القائد التاريخي زايد الخير ومناقبِهِ الجليلة، وجهوده المباركةِ، يَحقُّ لكل مواطن أن يعتز بانتمائه لعروبته، ولكل إنسان في هذا الجيل الذي يفخر بأنّه قد شَهِدَ عَهدَ زايدٍ الميمون.

لهؤلاء جميعاً نقدَّم هَذا السجلَّ الحافل الموثَّق لمنهاج القيادة التاريخية للشيخ زايد في عملية البناء والنهوض الوطني والاتحادي، وهو رَصْدٌ أمين لقيادته وأقواله في مناسباتها المختلفة، حيث قُمنا بتبويِبها وترتيبِها حسب موضوعها، ووفقاً للسياق الزَّمني؛ لنسهّل على القاريء الكريمِ أن يلامس فِكر زايدٍ وعبقريتهِ القياديّةِ وتطلعاتهّ التي كانت كامنةً في فكرِه قَبل أن يمنَّ الله تعالى على هذه الدولة بتفجُّر الثّروة النفطيّة فيها، والتي بدأ بتطبيقها على  أرض الواقع إنتاجاً خصباً يترجم فكرَه ويثبِّت عزيمتَه.

ولقد راعينا في رصد الأقوال الدقة والأمانة وفاءً لصاحب هذا الكنز زايد الميمون وإخلاصاً لإرثه بُغْية توارث الأجيال له نبراسا معرفياً هادياً وشعلة عزم تلهب نفوس أبناء الوطن قادة وشعباً من أجل استمرار السيرة والمسيرة، وقد اعتمدنا في التوثيق على كتاب القيادة الصادر عام 2024م.

إنها لذكرى تسكنُ القلبَ… فإلى روحهِ الطّاهرة وأرواح أخوتهِ الميامين، دعواتنا بالرحمةِ وحسنِ القبول.

                                      علي محمّد الشُّرفاء الحمّاديّ

                                        مدير ديوان الرئاسة سابقاً