في هذا العصر الذي شاع فيه استخدام مصطلح الاسلاموفوبيا أو ما يعرف بالخوف من الإسلام، اصبح من واجب كل مسلم المشاركة في محو هذه الصورة المشوهة للإسلام وإعطاء الوجه الحقيقي لهذا الدين العظيم الذي هو دين السلام والأمان والعدل والطمأنينة والرحمة لكل المخلوقات . وعلى المسلمين أن يدركوا أن الله فرض عليهم أن يقدموا الإسلام الى العالم بأسلوب ليّن سهل ، ترتاح له الأنفس وترق له القلوب ، أسلوب يحوّل العدو إلى صديق والكاره إلى محب والخائف إلى مطمئن ، أو ليس الله هو من أمرنا بذلك صراحة في قوله تعالى (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ).
وجاءت كلمة “عداوة” هنا نكرة لتدل على العموم غير المقيد، لأن القاعدة تنص على أن النكرة في سياق الاثبات تفيد الاطلاق، أي أن كل صنوف العداوة يمكن محوها بالخلق الحسن والمبادرة إلى الود وإظهار المحبة ، وهذا تكليف وأمر من الله سبحانه وتعالى لجميع المسلمين ، وقد ورد صريحا محكما غير متشابه لتأكيد جوهرية هذه المسألة ومبدئيتها في الدين.
والقرآن العظيم عندما أراد تبيان منهج الدعوة الى الله وطريقة التعامل مع غير المسلم كانت قضية التلطف والمودة المشار اليها في الآية السابقة بارزة وأساسية كأسلوب ينبغي للداعية التقيد به ، فنجد ذلك في قوله تعالى (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وقوله تعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ).
فالله سبحانه وتعالى المدرك لخفايا القلوب وما يعتمل في الانفس من خواطر وهواجس وافكار ، رسم لنا – من خلال مخاطبته لنبيه في الآية الشريفة السابقة – منهجا لتبليغ الرسالة يقوم على ركائز ثلاثة هي: الحكمة والموعظة والمجادلة بالتي هي احسن ، وقد علمتنا التجارب كبشر أن ما لم يتحقق بهذه الأساليب اللينة لن يتحقق بغيرها . ولا شك أن هذه هي سنة الله في خلقه وأن جميع الرسل كانوا مأمورين بذلك أثناء تبليغ الدعوة ، كما نجد في قوله تعالى وهو يأمر موسى واخاه هارون بدعوة فرعون الى الحق (فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى).
وقد وصف القرآن العظيم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كأعظم داعية الى الله بالمنهج اللين المتسامح ، فيقول عنه (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) ، ويقول ايضا (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) ويصفه بقوله (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ).
ومما تقدم يتضح لنا أن القرآن العظيم قد رسم منهجا حضاريا للدعوة الى الله ، ليس فيه كراهية ولا عنف ولا اجبار ولا إهانة لغير المسلم ، وانما هو أسلوب معتمد على مخاطبة العقل بالحجج والبراهين ( إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ) ، ومعتمد كذلك احترام ذاتية وإنسانية المخاطب المدعو، والتحلي بالخلق الحسن معه أثناء إيصال الفكرة الى عقله حتى يفهم أن المراد هو الاقناع وليس الاجبار . وعندما يتحقق الاقناع يكون الايمان صادقا نقيا غير مزيف .
ومما لا ريب فيه أن ابتعاد المسلمين عن النص القرآني واستبداله بنصوص موازية بما فيها التفاسير القديمة التي حجبت النص القرآني ، لهو السبب الأبرز في انحراف الدعوة الإسلامية عن المسار الذي أراده الله لها وبينه دون لبس في كتابه العزيز، وهذا يعني أن علاج ما أصاب دعوة الإسلام من تشويه وتحريف لن يتحقق الا بالعودة إلى منهج القرآن وتطبيقه حرفيا ، وحينها نستطيع كمسلمين الحديث عن دعوة إسلامية حقيقية لا تنتج البغضاء ولا الكراهية ولا الخوف من الإسلام كما نعيشه هذه الأيام .
حي معاوية حسن