أمَّا دورك أنت فهو تطبيق القانون لإثمار دولته / د.محمد نافع ولد المختار ولد آكه

اثنين, 11/18/2019 - 09:08

يحتاج كل زعيم لعلامة يختص بها وتميزه بما يشبه (الماركة التجارية) المعرفة، وهذه العلامة تتمثل في دور يقوم به ويعرف به دون غيره من سائر نظرائه.

          وقد مرت على موريتانيا منذ استقلالها في 28 نوفمبر سنة 1960 حتى اليوم إحدى عشرة دورة رئاسية تزعمها فيها عشرة رؤساء بدءا بالمختار ولد داداه وانتهاء بمحمد ولد الشيخ الغزواني. ودون الخوض في تفاصيل مجريات رئاسة كل زعيم على حدة، سأتطرق إلى أهم الأدوار التي تجسدت في عمل ملموس مكث في الأرض ونفع البلاد، وانتفع به من ثمة أهلها. لكن قبل ذكر الأدوار وأصحابها، لا بد من التنبيه على أن موريتانيا شكلت استثناء بالنسبة للكثير من دول العالم حيث لم يكن لدينا إبان فترة الاستقلال عن المستعمر الفرنسي كيان يمكن أن ينطبق عليه معنى (دولة) بسهولة؛ لغياب النظام وانعدام تقاليد الاجتماع السياسي الشامل لمجموع الإقليم الذي سيقع عليه اسم (موريتانيا)... وهذا الواقع التاريخي أضاف دورا زائدا على الأدوار المعتادة لبناء الدول المستقلة حديثا، علما أننا كنا كغيرنا نمتلك مقومات الشعب والإقليم لكن نحتاج إلى قانون يسود وحكومة مسيطرة.

          استقلت موريتانيا عن فرنسا فكان أمام رئيسها الأول، الأستاذ المختار ولد داداه، تحدياتٌ (أدوار) جمة أذكر منها للتركيز والاختصار أربعا هي: إنشاء هياكل قاعدية بما فيها (مُدُنٌ) على غرار مدن دول العالم، تحقيق الاستقلال الوطني الكامل، بناء منظومات للخدمات الاجتماعية القاعدية (منظومات الصحة، والتعليم، والماء، والكهرباء)، تحرير قانون مكتوب ومتفق عليه لدى ذوي الرأي السديد يحكم البلاد ويشكل مرجعية للعدل والإنصاف كما يسد ثغرة المكون الثالث والأساسي لعناصر (الدولة) بعد أن حسمت قضايا الشعب والإقليم الجغرافي، وقد لعب الفقه المالكي دورا بارزا ومحمودا على مر القرون في بلاد (السَّيْبة) كما سهل لاحقا إنشاء منظومة قانونية مُحيَّنة تخضع لشرع الله تعالى وتستجيب إلى حد كبير لمتطلبات الزمان بتغير أحوال أهله..

          أولا – الزعيم الأول ودوره الأساسي

انشغل زعيم موريتانيا الأول الرئيس المختار بالدور المتمثل في: «إنشاء هياكل قاعدية بما فيها (مُدُنٌ) على غرار مدن دول العالم»، ولم يكن له مفر من ملامسة الدور الرابع (تحرير منظومة قانونية) حسبما أملته ضرورات الحكم وتسيير الشؤن الجارية. وهكذا يمكن القول بالجملة إن الرئيس المختار ولد داداه لعب دوره الأساسي – التأسيسي - الذي أناطه به تاريخ الدولة الموريتانية الحديثة بكفاية، انطلاقا من المعطيات والإمكانات المتوفرة أنذاك حتى كانت «كبوة الجواد» المتمثلة في دخول (حرب الصحراء) مما قاد للانتكاسة الدستورية بانقلاب 10 يويو سنة 1978م.

          ثانيا – زعماء الحكم العسكري للفترة من 10/07/1978 إلى 12/12/1984م

          من خلال أحداث التاريخ وما جرى على الأرض، وبغض النظر عما رفع من شعارات خلال تلك الفترة، تبين أن الهدف الأساسي للانقلاب كان وقف حرب الصحراء المدمرة. وما أن انسحب الجيش الموريتاني من الأرض الصحراوية وعاد إلى ثكناته بأرض الوطن حتى برز سباق الضباط السامين لنيل كرسي رئاسة البلاد فيما وصف لتوه بـ(طابور الضباط) حيث قعد على هذا الكرسي أربعة (4) زعماء خلال ست سنين ونصف (6,5) أي بمعدل سنة واحدة ونصف (1,5) للزعيم بدءا بالمصطفى ولد محمد السالك ومرورا بمحمد محمود ولد أحمد لولي ومحمد خون ولد هيداله ثم وصولا إلى معاوية ولد سيد احمد ولد الطايع في 12/12/1984م.

          خلال الفترة (يوليو 78 حتى دجنبر 84) غابت الأدوار الأساسية عن المشهد الموريتاني، إلا ما أملته ضرورات الحكم وتسيير الشؤن الجارية من سن قوانين لا مناص منها.

          ثالثا – دور الزعيم العسكري المتنفذ الوحيد وانتعاش الأمل في تكوين دولة حديثة (من 12/12/1984 إلى 01/08/2019م)

          خلال هذه الفترة الطويلة نسبيا (33 سنة و7 أشهر و29 يوما) بالنظر إلى عمر الدولة الموريتانية، كان لا بد من إحداث تغير ما رغم ما يقع من تحفظات –بل وانتقادات شديدة في بعض الحالات، وهو تغير في محصلته الإجمالية إيجابي سواء على مستوى بناء مؤسسات حديثة ذات طابع متعدد الفوائد؛ منها السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي وحتى العمراني... أو على مستوى إقامة ترسانة قانونية شملت مدونات المعادن، والشغل، والأسرة، وغيرها... ساعد في ذلك وجود مؤسسات عاملة ناظمة من سلطات تشريعية، وقضائية، وتنفيذية وما يتفرع عنها. ولأني كتبت هذا المقال للمشاركة في التنبيه على الدور الأساسي والأولوي لزعيم موريتانيا في الوقت الراهن، لا للخوض في جزئيات مراحل حكم البلاد وتقييمها تفصيلا، فإني سأنصرف عودا على بدء إلى العنوان الرئيس: أما دورك أنت فهو تطبيق القانون لإثمار دولته، والخطاب موجه طبعا إلى رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني.

          عبَّر انتخاب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، في الشوط الأول وبأغلبية مريحة تجاوزت 52%، عن استجابة شعبية واسعة لخطابه المليء بإشارات خلق الأمل، وهو أمل تجذر حتى صار محل إجماع بين المعارضين والموالين معا بعد جلوسه على كرسي الرئاسة. وتجلى هذا الأمر واضحا في الجلسة التاريخية وغير المسبوق لأقطاب المعارضة (التاريخية)، منذ ثمانينات القرن الماضي، على امتداد الصف الأول لحفل افتتاح مهرجان المدن القديمة في دورته التاسعة بمدينة شنقيط، أول دورة يشرف عليها ولد الشيخ الغزواني بوصفه رئيسا للبلاد.

          السيد الرئيس،

          عودا على الأدوار الأربعة الأساسية المذكورة بداية هذا المقال، أوجز فأقول:

  • بالنسبة للدور الأول، إنشاء هياكل قاعدية بما فيها مُدُنٌ على غرار مدن دول العالم، فقد تحقق بنسبة يكفي لإكمالها بجدارة وكفاءة تطبيق القوانين التي سنت حتى في مجال العصرنة والمحافظة على البيئة؛
  • أما بالنسبة للدور الثاني، تحقيق الاستقلال الوطني الكامل، فقد تحقق هو الآخر بنسبة يكفي لإتمامها تطبيق المعاهدات الثنائية والإقليمية والدولية، إضافة إلى تبني مبدأ المعاملة بالمثل الذي أثبتت تجربتنا الخاصة إمكانه مع أخطر دولة أجنبية على استقلالنا عندما فرضنا تأشيرة الدخول على رعايا فرنسا ولم تخسر للدنيا مِشية؛
  • وفيما يتعلق ببناء منظومات للخدمات الاجتماعية القاعدية (منظومات الصحة، والتعليم، والماء، والكهرباء)، فقد أنجز فيه ما لو طبقت قوانينه المنظمة لاكتمل بناؤه وحافظ على مردودية ممتازة لأدائه؛
  •  وفي الأخير-وليس آخرا، تم سن ترسانة قانونية متفق عليها من لدن ذوي الرأي السديد كمرجع للعدل والإنصاف، والأمل الواعد أن تطبيقها الميداني هو السبيل الوحيد لإثمارها على الأرض وفي حياة الناس من جهة، كما أنه الطريق الأمثل لتطويرها لإنتاج قوانين ذات كفاءة عالية بحيث تستجيب لمتطلبات الحداثة مع المحافظة ثوابتنا الأصيلة وقيمنا الحضارية التي تسمو على الهوى وتدمغ الباطل.

من هنا، أؤكد لك، سيادة الرئيس، أن أولى أولويات المرحلة هو تطبيق القانون سبيلا أوحد لإثمار دولة القانون التي غدت مطلبا شعبيا وحضاريا ناط بكم التاريخ إنجازه، وهو دور لا كالأدوار؛ إذ بتحقيقه يطعم الله الجائع، ويؤمن الناس من المخاوف، ويفتح على أهل القرى بركات السماء والأرض.

ولكم، وللقارئ مني، تحية وسلام

د. محمد نافع ولد المختار ولد آكه.

نواذيبو، بتاريخ: 17 نوفمبر 2019

تابعونا